وقفْتُ على ساقٍ أحدِّقُ فيهم

وقفت على ساق أحدق فيهم (قصيدة)


أ. محمود مفلح

وقفْتُ على ساقٍ أحدِّقُ فيهم



أَعَضُّ على جُرحي ولا أتوجَّعُ
وأُمعِنُ في قتلِ الهمومِ وأَبرَعُ
ولن يستطيعَ القيدُ جمحَ قصائدي
إذا حَمْحَمَتْ كالخيلِ تَعدو وتُسْرِعُ
وإنْ عاودَ الجرحُ القديمُ عُوَاءَه
تفرَّسَ فيهِ بينَ كفَّيَّ مِبْضَعُ
وإنْ جَفَّ عُشْبُ الروحِ أطلقْتُ غيمةً
تمسُّ جفافَ فجرٍ فيمرعُ
وعلَّقْتُ أجراسًا على كلِّ قُبَّةٍ
ليسمعَ من لا يستطيعُ فيسمعُ
أدرْتُ على كلِّ الرفاقِ كؤوسَهُم
فكأسي في هذا المساءِ مُشَعْشِعُ
ويعلمُ من يَهوى الفصيحَ فَصاحَتي
ويُعجبُ بعضُ الناسِ كيفَ أُتَعْتِعُ
أُقَدِّمُ رِجلًا حينَ تدنو مَنيَّتي
وأقصرُها إنْ كانَ في القوسِ منزعُ
بقيْتُ زمانًا لا تسيرُ مَراكبي
ولا قَمَري رغمَ المواعيدِ يَطْلعُ
وأُبصِرُ أَرضي قدْ تشقَّقَ جِلدُها
وكفِّي لا تَسقي ولا هي تَزرعُ
وقفْتُ على ساقٍ أُحَدِّقُ فيهمُ
وكلُّهُمُ في عالمِ البحرِ أَقلَعوا
نَعَمْ عَثَرَتْ في الدربِ يومًا مطيَّتي
وأفزَعَني ذاكَ الظلامُ المروِّعُ
نَعَمْ قَطعُوا مائي وحِصْرِمَ كَرمَتي
وأزعجَهُمْ أنِّي منَ الجوعِ أمنعُ
بقيتُ على صخرِ الكتابةِ عاكفًا
لعلَّ خيوطَ الشِّعرِ في الصخرِ تلمَعُ
وسَبَّحْتُ ربِّي بعدَ كلِّ جَريرةٍ
جَنَاها عليَّ الساقطُ المتخلِّعُ
يرومونَ قَتلي دونَ ذنبٍ جَنيْتُهُ
فعَنْ أيِّ ذنبٍ لم أقارِفْهُ أَدْفَعُ
رجعْتُ وتلكَ الريحُ تَذرو سنَابلي
يُحدِّقُ بي في كلِّ ركنٍ مُقَنَّعُ
فكَمْ حَرَسَتْ ظَهري من الطعنِ قَبْضةٌ
وكمْ كُنْتُ أخشى من حَواريَّ أُصْرَعُ
وخلَّفْتُ أيامًا ثقيلًا ظِلالُها
رأيْتُ بها شَعْبًا يُداسُ ويُقْمَعُ
يَظَلُّ بتابوتِ الحياةِ مُنعَّمًا
وبالحُفَرِ السوداءِ يغفو ويَقْبَعُ
ويُقْمَعُ في طولِ الهجيرِ بكِسْرَةٍ
ويَحْسَبُ أنَّ العيشَ خبزٌ ومَخْدَعُ
ويَحْلُم بالجنَّاتِ عُقْبى لفقْرِهِ
كأنَّ جوازَ الخُلدِ ثوبٌ مُرَقَّعُ
إذا ما تَلَقَّى مِنْ أعادِيهِ صفعةً
أدارَ لَهُمْ خدَّ الهوانِ ليَصْفَعُوا
تأملْتُ بلْ قصَّ الهوانُ جَوانِحي
وصرْتُ كَدودِ الأرضِ والدودُ يَنفَعُ
وخَلَّفْتُ كابوسًا من الظلمِ عاتيًا
يُروِّضُ أعناقَ الرجالِ ويُخْضِعُ
أُقَلِّبُ أوراقَ الزمانِ فلا أرى
سوى زاهدٍ يَبكي ولاهٍ يُبَرْطِعُ
* * *

يقويك ربي .. كفيت ووفيت