العودة   منتديات العبير > ₪۩ ۞.۞ ۩المنتديات الإسلامية۩ ۞.۞ ۩₪ > مجالسُ الدعوةِ إلى الله حُجةٌ وتاجٌ من نور

مجالسُ الدعوةِ إلى الله حُجةٌ وتاجٌ من نور نفحات إيمانية على مذهب أهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-07-2007, 06:13 PM   #1


 رقم العضوية :  10
 تاريخ التسجيل :  20-02-2007
 المشاركات :  19,959
 الجـنـس :  ذكر
 عدد النقاط :  91
 قوة التقييم :  سكوتي كلآآم will become famous soon enough
 اخر مواضيع » سكوتي كلآآم
 تفاصيل مشاركات » سكوتي كلآآم
 أوسمة و جوائز » سكوتي كلآآم
 معلومات الاتصال بـ سكوتي كلآآم

افتراضي شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستقنع" (2)


شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستقنع" (2)
سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

المصدر: موقع الشيخ ابن عثيمين

بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَيُوجِبُ الكَفَّارَةَ

مَنْ أَكَلَ،.......
قوله: "باب ما يفسد الصوم" أي: يبطله، والصوم يشمل الفرض والنفل.
والعلماء - رحمهم الله - لهم أساليب في تسمية الأبواب معناها واحد، ولكن تختلف لفظًا، ففي الوضوء يسمون المفسدات نواقض، وفي الغسل يسمونها موجبات الغسل، وفي باب الصلاة يسمونها مبطلات الصلاة، وفي الصوم يسمونها مفسدات الصوم، وفي باب الإحرام يسمونها محظورات الإحرام، وكل هذه المعنى فيها واحد.

والمفسد للصوم يسمى عند العلماء المفطِّرات، وأصولها ثلاثة ذكرها الله - عزّ وجل - في قوله: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]. وقد أجمع العلماء على أن هذه الثلاثة تفسد الصوم، وما سوى ذلك سيأتي إن شاء الله الكلام عليه.

قوله: "ويوجب الكفارة" الكفارة "ال-" هنا للعهد الذهني، فهي الكفارة المعروفة: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.

قوله: "مَن أكل" "من" هذه شرطية وجوابه قوله "فسد صومه"، والأكل هو إدخال الشيء إلى المعدة عن طريق الفم.

وقولنا إدخال الشيء يشمل ما ينفع وما يضر، وما لا يضر ولا ينفع، فما ينفع كاللحم والخبز وما أشبه ذلك، وما يضر كأكل الحشيشة ونحوها، وما لا نفع فيه ولا ضرر مثل أن يبتلع خرزة سبحة أو نحوها؛ ووجه العموم إطلاق الآية {كُلُوا وَاشْرَبُوا} وهذا يسمى أكلاً.

وقال بعض أهل العلم: إن ما لا يغذي لا فطر بأكله، وبناءً على هذا فإنّ بلع الخرزة أو الحصاة أو ما أشبههما لا يفطر.

والصحيح أنه عام، وأن كل ما ابتلعه الإنسان من نافع أو ضار، أو ما لا نفع فيه ولا ضرر، فإنه مفطر لإطلاق الآية.

"أَوْ شَرِبَ أوْ اسْتَعَطَ،........"
قوله: "أو شرب" الشرب يشمل ما ينفع وما يضر، وما لا نفع فيه ولا ضرر، فكل ما يشرب من ماء، أو مرق، أو لبن، أو دم، أو دخان، أو غير ذلك، فإنه داخل في قول المؤلف "أو شرب".

ويلحق بالأكل والشرب ما كان بمعناهما، كالإبر المغذية التي تغني عن الأكل والشرب.

قوله: "أو استعط" أي: تناول السعوط، والسعوط ما يصل إلى الجوف عن طريق الأنف، فإنه مفطر؛ لأن الأنف منفذ يصل إلى المعدة، ودليل ذلك قول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - للَقِيط بن صَبُرة: ((وبالِغْ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا))[1] وهذا يدل على أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق، ولا نعلم لهذا علة إلا أن المبالغة تكون سببًا لوصول الماء إلى المعدة، وهذا مخل بالصوم، وعلى هذا فنقول: كل ما وصل إلى المعدة عن طريق الأنف أو الفم فإنه مفطر.

أوِ احْتَقَنَ،...........
قوله: "أو احتقن" الاحتقان: هو إدخال الأدوية عن طريق الدبر، وهو معروف، ولا يزال يعمل، فإذا احتقن فإنه يفطر بذلك، لأن العلة وصول الشيء إلى الجوف، والحقنة تصل إلى الجوف، أي: تصل إلى شيء مجوف في الإنسان، فتصل إلى الأمعاء فتكون مفطرة، فإذا وصل إلى الجوف شيء عن طريق الفم، أو الأنف، أو أي منفذ كان، فإنه يكون مفطرًا، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد[2]، وعليه أكثر أهل العلم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: لا فطر بالحقنة؛ لأنه لا يطلق عليها اسم الأكل والشرب لا لغة ولا عرفًا، وليس هناك دليل في الكتاب والسنة، أن مناط الحكم وصول الشيء إلى الجوف، ولو كان لقلنا: كل ما وصل إلى الجوف من أي منفذ كان فإنه مفطر، لكن الكتاب والسنة دلاَّ على شيء معين وهو الأكل والشرب.

وقال بعض العلماء المعاصرين: إن الحقنة إذا وصلت إلى الأمعاء فإن البدن يمتصها عن طريق الأمعاء الدقيقة، وإذا امتصها انتفع منها، فكان ما يصل إلى هذه الأمعاء الدقيقة كالذي يصل إلى المعدة من حيث التغذي به، وهذا من حيث المعنى قد يكون قويًّا.

لكن قد يقول قائل: إن العلة في تفطير الصائم بالأكل والشرب ليست مجرد التغذية، وإنما هي التغذية مع التلذذ بالأكل والشرب، فتكون العلة مركبة من جزأين:

أحدهما: الأكل والشرب.

الثاني: التلذذ بالأكل والشرب؛ لأن التلذذ بالأكل والشرب مما تطلبه النفوس، والدليل على هذا أن المريض إذا غذي بالإبر لمدة يومين أو ثلاثة، تجده في أشد ما يكون شوقًا إلى الطعام والشراب مع أنه متغذٍ.

فإن قيل: ينتقض قولكم إن العلة مركبة من جزأين إلى آخره أن السعوط مفطر مع أنه لا يحصل به تلذذ بالأكل والشرب. فالجواب أن الأنف منفذ معتاد لتغذية الجسم، فألحق بما كان عن طريق الفم.

وبناء على هذا نقول: إن الحقنة لا تفطر مطلقًا، ولو كان الجسم يتغذى بها عن طريق الأمعاء الدقيقة.

فيكون القول الراجح في هذه المسألة قول شيخ الإسلام ابن تيمية مطلقًا، ولا التفات إلى ما قاله بعض المعاصرين.

ومن الحقن المعروفة الآن ما يوضع في الدبر عند شدة الحمى، ومنها أيضًا ما يدخل في الدبر من أجل العلم بحرارة المريض وما أشبه ذلك، فكل هذا لا يفطر.

ثم لدينا قاعدة مهمة لطالب العلم، وهي أننا إذا شككنا في الشيء أمفطِّر هو أم لا؟ فالأصل عدم الفطر، فلا نجرؤ على أن نفسد عبادة متعبِّدٍ لله إلا بدليل واضح يكون لنا حجة عند الله، عزّ وجل.
أوِ اكْتَحَلَ بِمَا يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ، أوْ أدْخَلَ إِلَى جَوْفِهِ شَيْئًا مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ،......

قوله: "أو اكتحل بما يصل إلى حلقه" الكحل معروف، فإذا اكتحل بما يصل إلى الحلق فإنه يفطر؛ لأنه وصل إلى شيء مجوف في الإنسان وهو الحلق، هذا هو تعليل من قال إن الكحل يفطر ولكن في هذا التعليل نظر، ولذلك ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إلى أن الكحل لا يفطر ولو وصل طعم الكحل إلى الحلق[3]، وقال: إن هذا لا يسمى أكلاً وشربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب، ولا يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب، وليس عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - حديث صحيح صريح يدل على أن الكحل مفطر، والأصل عدم التفطير، وسلامة العبادة حتى يثبت لدينا ما يفسدها. وما ذهب إليه - رحمه الله - هو الصحيح.

وبناءً على هذا لو أنه قطر في عينه وهو صائم فوجد الطعم في حلقه، فإنه لا يفطر بذلك. أما إذا وصل طعمها إلى الفم وابتلعها فقد صار أكلاً وشربًا.

قوله: "أو أدخل إلى جوفه شيئًا من أي موضع كان" قوله: "إلى جوفه" أي: إلى مجوف في بدنه كحلقه وبطنه وصدره، والمراد أنه يفطر بذلك، فلو أن الإنسان أدخل منظارًا إلى المعدة حتى وصل إليها، فإنه يكون بذلك مفطرًا.

والصحيح أنه لا يفطر إلا أن يكون في هذا المنظار، دهن أو نحوه يصل إلى المعدة بواسطة هذا المنظار فإنه يكون بذلك مفطرًا، ولا يجوز استعماله في الصوم الواجب إلا للضرورة.

ولو أن الإنسان كان له فتحة في بطنه، وأدخل إلى بطنه شيئًا عن طريق هذه الفتحة، فعلى المذهب يفطر بذلك كما لو داوى الجائفة، والصحيح أنه لا يفطر بذلك إلا أن تجعل هذه الفتحة بدلاً عن الفم بحيث يدخل الطعام والشراب منها لانسداد المريء أو تقرحه، ونحو ذلك؛ فيكون ما أدخل منها مفطِّرًا كما لو أدخل من الفم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
غَيْرَ إحْلِيلِهِ، أوِ اسْتَقَاءَ أوِ اسْتَمْنَى، أَوْ بَاشَرَ فَأَمْنَى، أَوْ أَمْذَى، أو كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ،.........

وقوله: "غير إحليله" أي: قناة الذكر، فلو أدخل عن طريق الذكر خيطًا فيه طعم دواء فإنه لا يفطر؛ لأن الذكر لا يصل إلى الجوف ما دخل عن طريقه، فإن البول إنما يخرج رشحًا، هكذا علل الفقهاء - رحمهم الله - ومرادهم بذلك أن البول يجتمع في المثانة عن طريق الرشح؛ لأنه ليس لها إلا منفذ واحد.

والحمد لله نحن في غنى عن هذه التعليلات من الأصل إذا أخذنا بالقول الراجح، وهو أن المفطر هو الأكل والشرب، وما أدخل من طريق الإحليل فإنه لا يسمى أكلاً ولا شربًا، وإذا كانت الحقنة وهي التي تدخل عن طريق الدبر لا تفطر على القول الراجح، فما دخل عن طريق الإحليل من باب أولى.
قوله: ((أو استقاء)) أي: استدعى القيء، ولكن لا بد من قيء، فلو استدعى القيء ولكنه لم يقئ فإن صومه لا يفسد، بل لا يفسد إلا إذا استقاء فقاء، ولا فرق بين أن يكون القيء قليلاً أو كثيرًا.

أما ما خرج بالتعتعة من الحلق فإنه لا يفطر، فلا يفطر إلا ما خرج من المعدة، سواء كان قليلاً أو كثيرًا، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: ((من استقاء عمدًا فليقضِ، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه))[4]. ((ذرعه)) أي: غلبه.
واستدعاء القيء له طرق: النظر، الشم، والعصر، والجذب، وربما نقول السمع أيضًا.

أما النظر: فكأن ينظر الإنسان إلى شيءٍ كريهٍ فتتقزز نفسه ثم يقيء.

وأما الشم: فكأن يشم رائحة كريهة فيقيء.

وأما العصر: فكأن يعصر بطنه عصرًا شديدًا إلى فوق ثم يقيء.

وأما الجذب: بأن يدخل أصبعه في فمه حتى يصل إلى أقصى حلقه ثم يقيء.

أما السمع: فربما يسمع شيئًا كريهًا.

وقال بعض العلماء: إنه لا فطر في القيء ولو تعمده بناءً على قاعدة قعدوها، وهي: "الفطر مما دخل لا مما خرج، والوضوء مما خرج لا مما دخل"، وضعفوا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وقالوا: إنه مخالف للقياس مع ضعف سنده. والجواب: أن يقال أين الدليل على هذه القاعدة، فهذا لحم الإبل ينقض وهو داخل؟! فسيقولون لا ينقض الوضوء إلا على مذهب الإمام أحمد فقاعدتنا سليمة. قلنا لهم: إنزال المني من الصائم خارج، ويفسد الصوم.

والصواب أن القيء عمدًا مفطر؛ لأن الحديث دل عليه والقاعدة التي أسسوها غير صحيحة، والحكمة تقتضي أن يكون مفطرًا؛ لأن الإنسان إذا استقاء ضعف واحتاج إلى أكل وشرب. فنقول له لا يحل لك في الصوم الواجب سواء رمضان أو غيره أن تتقيء إلا للضرورة، فإن اضطررت إلى القيء فتقيأ، ثم أعد على بدنك ما يحصل به القوة من الأكل الشرب، فهذا القول كما هو مقتضى الحديث فهو مقتضى النظر الصحيح، أما رأيهم فهو يعارض النص، والرأي المقابل للنص، المعارض له، فاسد لا عبرة به، ونقول لصاحبه: أأنت أعلم أم الله؟ فما دام هذا حكم الله فإنه خير من الرأي.

قوله: "أو استمنى" أي: طلب خروج المني بأي وسيلة، سواء بيده، أو بالتدلك على الأرض، أو ما أشبه ذلك حتى أنزل، فإنّ صومه يفسد بذلك، وهذا ما عليه الأئمة الأربعة - رحمهم الله - مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد.

وأبى الظاهرية ذلك وقالوا: لا فطر بالاستمناء ولو أمنى[5][(360)]، لعدم الدليل من القرآن والسنة على أنه يفطر بذلك، فإن أصول المفطِّرات ثلاثة، وليس هذا منها فيحتاج إلى دليل، ولا يمكن أن نفسد عبادة عباد الله إلا بدليل من الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
ولكن عندي - والله أعلم - أنه يمكن أن يستدل على أنه مفطر من وجهين:

الوجه الأول: النص: فإن في الحديث الصحيح أن الله - سبحانه وتعالى - قال في الصائم: ((يدَع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي))[6] والاستمناء شهوة، وخروج المني شهوة، والدليل على أن المني يطلق عليه اسم شهوة قول الرسول - صلّى الله عليه وسلّم -: ((وفي بضع أحدكم صدقة.)) قالوا: "يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟!" قال: ((أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر، كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر))[7] والذي يوضع هو المني.

الوجه الثاني: القياس، فنقول: جاءت السنة بفطر الصائم بالاستقاء إذا قاء، وبفطر المحتجم إذا احتجم وخرج منه الدم، وكلا هذين يضعفان البدن.
أما خروج الطعام فواضحٌ أنه يضعف البدن؛ لأن المعدة تبقى خالية فيجوع الإنسان ويعطش سريعًا.
وأما خروج الدم فظاهر أيضًا أنه يضعف البدن، ولهذا ينصح من احتجم أو تبرع لأحد بدم من جسمه، أن يبادر بالأكل السريع الهضم، والسريع التفرق في البدن؛ حتى يعوض ما نقص من الدم، وخروج المني يحصل به ذلك فيفتر البدن بلا شك، ولهذا أمر بالاغتسال ليعود النشاط إلى البدن، فيكون هذا قياسًا على الحجامة والقيء، وعلى هذا نقول: إن المني إذا خرج بشهوة فهو مفطِّر للدليل والقياس.

قوله: "أو باشر فأمنى" أي: باشر زوجته سواء باشرها باليد، أو بالوجه بتقبيل، أو بالفرج، فإنه إذا أنزل أفطر، وإذا لم يُنزل فلا فطر بذلك.
ونقول في الإنزال بالمباشرة ما قلنا في الإنزال بالاستمناء: إنه مفطر.
وعلم من كلام المؤلف، أنه لو استمنى بدون إنزال فإنه لا فطر، وأنه لو باشر بدون إنزال فإنه لا فطر في ذلك أيضًا، وسيأتي بيان حكم المباشرة.

قوله: "أو أمذى" أي: فإنه يفطر، والمذي هو ماء رقيق يحصل عقيب الشهوة بدون أن يحس به الإنسان عند خروجه، وهو بين البول والمني من حيث النجاسة، فالمني طاهر موجب لغسل جميع البدن، والبول نجس موجب لغسل ما أصاب من البدن والملابس، والمذي يوجب غسل الذكر والأنثيين، ولا يوجب الغسل إذا أصاب الملابس، بل يكفي فيه النضح كما ثبت عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - ذلك[8].

فالمذهب أن خروج المذي مفسد للصوم كالمني، أي: إذا استمنى فأمذى، أو باشر فأمذى فإنه يفسد صومه، والذين يقولون لا يفسد بالمني يقولون لا يفسد بالمذي من باب أولى، والذين يقولون إن الصوم يفسد بالمني اختلفوا في المذي على قولين:

فالمذهب أنه يفطر، ولا دليل له صحيح، والصحيح القول الثاني أنه لا يفطر؛ لأن المذي دون المني لا بالنسبة للشهوة ولا بالنسبة لانحلال البدن، ولا بالنسبة للأحكام الشرعية حيث يخالفه في كثير منها بل في أكثرها أو كلها، فلا يمكن أن يلحق به.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - والحجة فيه عدم الحجة، أي عدم الحجة على إفساد الصوم به؛ لأن هذا الصوم عبادة شرع فيها الإنسان على وجه شرعي فلا يمكن أن نفسد هذه العبادة إلا بدليل.

قوله: "أو كرر النظر فأنزل" يعني فإنه يفسد صومه، وتكرار النظر يحصل بمرتين، فإن نظر نظرة واحدة فأنزل لم يفسد صومه لقول النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: ((لك الأولى وليست لك الثانية))[9]. ولأن الإنسان لا يملك أن يجتنب هذا الشيء، فإن بعض الناس يكون سريع الإنزال وقوي الشهوة؛ إذا نظر إلى امرأته أنزل، ولو قلنا: إنه يفطر بذلك لكان فيه مشقة.
فصار النظر فيه تفصيل، إن كرره حتى أنزل فسد صومه، وإن أنزل بنظرة واحدة لم يفسد، إلا أن يستمر حتى ينزل فيفسد صومه؛ لأن الاستمرار كالتكرار، بل قد يكون أقوى منه في استجلاب الشهوة والإنزال.
وأما التفكير بأن فكر حتى أنزل فلا يفسد صومه، لعموم قول النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم))[10] إلا إن حصل معه عمل يحصل به الإنزال كعبث بذكَره ونحوه.

والخلاصة:
أولاً: المباشرة إذا أنزل فيها، فسد صومه وكذلك إذا أمذى على المذهب.

ثانيًا: النظر: إن كان واحدة فأنزل أو أمذى فلا شيء عليه في ذلك، وإن كرر فأمذى فلا شيء في ذلك، وإن كرَّر فأنزل فسد صومه.
وهنا فرَّق المؤلف - رحمه الله - بين الإمذاء والإمناء، فإذا كرر النظر فأمذى فلا يفسد صومه، وإذا كرره فأمنى فسد صومه.
والصواب أنه لا فرق بينهما في هذه الحال الثانية وغيرها؛ وأنه لا يفسد صومه بالإمذاء مطلقًا سواء كان بمباشرة أو بنظر.

ثالثًا: التفكير لا يفسد به صومه سواءٌ أمنى أو أمذى على ما سبق.

مسألة: لو تحدث الرجل مع امرأته حتى أنزل هل نلحقه بالمباشرة؛ فنقول: يفسد صومه أو نلحقه بالنظر؟ الظاهر أنه يلحق بالنظر فيكون أخف من المباشرة، وعليه يلحق تكرار القول بتكرار النظر، فإن الإنسان مع القول قد يكون أشد تلذذًا من النظر.

أَوْ حَجَمَ أوِ احْتَجَمَ وَظَهَرَ دَمٌ،.........
قوله: "أو حجم أو احتجم وظهر دم" "حجم" أي: حجم غيره.
"احتجم" بمعنى طلب من يحجمه، فإذا حجم غيره أو احتجم، وظهر دم فسد صومه، فإن لم يظهر دم؛ لكون المحجوم قليل الدم، ولم يخرج منه شيء لم يفسد صومه.
وظاهر قول المؤلف: "وظهر دم" أنه لا فرق بين أن يكون الدم الظاهر قليلاً أو كثيرًا، وسواء كانت الحجامة في الرأس، أو في الكتفين، أو في أي مكان من البدن.
ومواضع الحجامة وأوقاتها وأحوال المحجوم، ومن يمكن أن يحجم، ومن لا يمكن، معروفةٌ عند الحجامين، ولهذا يجب على الإنسان إذا أراد الحجامة أن يحتاط، ويختار لمن يحجمه من هو معروف بالحِذْق؛ لئلا ينزف دمه من حيث لا يشعر.

وهذه المسألة اختلف العلماء فيها كثيرًا وهي من مفردات الإمام أحمد، فأكثر أهل العلم يرون أن الحجامة لا تفطر ويستدلون بالآثار والنظر. فالآثار يقولون إنه ثبت في البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: "احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرِم"[11]، واستدلوا أيضًا بأحاديث أخرى من رواية أنس وغيره، وفي بعضها التفصيل بأن الحجامة كانت من أجل الضعف[12]، ثم رخص فيها، واستدل القائلون بالإفطار بحديث شداد بن أوس وغيره أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم))[13].

وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم، وقالوا: إنه لا يصح عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم -، فمن ضعفه فإنه لا يستدل به ولا يأخذ به؛ لأنه لا يجوز أن يحتج بالضعاف على أحكام الله - عزّ وجل -، ومن العلماء من صححه كالإمام أحمد، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما من الحفاظ، وعلى هذا يكون الحديث حجة.

فإذا كان حجة وقلنا: إنه يفطر بالحجامة الحاجم والمحجوم، فما هي الحكمة؟
الجواب قال الفقهاء - رحمهم الله -: إن هذا من باب التعبد[14]، والأحكام الشرعية التي لا نعرف معناها تسمى عند أهل الفقه تعبدية، بمعنى أن الواجب على الإنسان أن يتعبد لله بها سواء عَلِمَ الحكمة أم لا.

ولكن هل لها حكمة معلومة عند الله؟
الجواب: نعم لا شك؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - قال: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الممتحنة: 10] فما من حكم من أحكام الشريعة إلا وله حكمة عند الله - عزّ وجل - لكن قد تظهر لنا بالنص أو بالإجماع أو بالاستنباط، وقد لا تظهر لقصورنا، أو لتقصيرنا في طلب الحكمة.
وهذه الأحكام التعبدية لها أصل أشارت إليه أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - حين سألتها معاذة بنت عبدالله العدوية قالت: "ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟!" قالت: "كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة"[15] فوكلت الأمر إلى حكم الله ورسوله، ولم تقل: لأن الصلاة تتكرر، والصيام لا يتكرر، وما أشبه ذلك مما ذكره الفقهاء، ولأن المؤمن إذا قيل له هذا حكم الله انقاد، فهذه هي الحكمة لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -[16]: إن إفطار الصائم بالحجامة له حكمة، أما المحجوم فالحكمة هو أنه إذا خرج منه هذا الدم أصاب بدنه الضعف، الذي يحتاج معه إلى غذاء لترتد عليه قوته، لأنه لو بقي إلى آخر النهار على هذا الضعف فربما يؤثر على صحته في المستقبل، فكان من الحكمة أن يكون مفطرًا، وعلى هذا فالحجامة للصائم لا تجوز في الصيام الواجب إلا عند الضرورة، فإذا جازت للضرورة جاز له أن يفطر، وإذا جاز له أن يفطر، جاز له أن يأكل، وحينئذ نقول احتجم وكُلْ واشرب من أجل أن تعود إليك قوتك وتسلم، مما يتوقع من مرض بسبب هذا الضعف.
أما إذا كان الصوم نفلاً فلا بأس بها؛ لأن الصائم نفلاً، له أن يخرج من صومه بدون عذر، لكنه يكره لغير غرض صحيح.

وأما الحكمة بالنسبة للحاجم، فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: إن الحاجم عادة يمص قارورة الحجامة، وإذا مصها فإنه سوف يصعد الدم إلى فمه، وربما من شدة الشفط ينزل الدم إلى بطنه من حيث لا يشعر، وهذا يكون شربًا للدم فيكون بذلك مفطرًا. ويقول: هذا هو الغالب ولا عبرة بالنادر.
وقوارير الحجامة عبارة عن قارورة من حديد، يكون فيها قناة دقيقة يمصها الحاجم، ويكون في فمه قطنة إذا مصها سدها بهذه القطنة؛ لأنه إذا مصها تفرغ الهواء، وإذا تفرغ الهواء فلا بد أن يجذب الدم، وإذا جذب الدم امتلأت القارورة ثم سقطت، وما دامت لم تمتلئ فهي باقية.
والحكمة إذا كانت غير منضبطة فإنه يؤخذ بعمومها، ولهذا قال: لو أنه حجم بآلات منفصلة لا تحتاج إلى مص، فإنه لا يفطر بذلك.
أما الذين قالوا العلة تعبدية فيقولون: إن الحاجم يفطر، ولو حجم بآلات منفصلة لعموم اللفظ.
والذي يظهر لي - والعلم عند الله - أن ما ذهب إليه شيخ الإسلام أولى، فإذا حجم بطريق غير مباشر ولا يحتاج إلى مص فلا معنى للقول بالفطر؛ لأن الأحكام الشرعية ينظر فيها إلى العلل الشرعية.

فإن قيل: العلة إذا عادت على النص بالإبطال دل ذلك على فسادها، وهذا حاصل في قول شيخ الإسلام إذا حجم الشخص بآلات منفصلة؟
فالجواب أن يقال: إن الرسول - صلّى الله عليه وسلّم - يتكلم عن شيء معهود في زمنه، فتكون "أل" في "الحاجم" للعهد الذهني المعروف عندهم.
والقول بأن الحجامة مفطرة هو مذهب الإمام أحمد - رحمه الله -، وهو منفرد به عن المذاهب، وانفراد الإمام أحمد عن المذاهب لا يعني أن قوله ضعيف؛ لأن قوة القول ليست بالأكثرية، بل تعود إلى ما دل عليه الشرع، وإذا انفرد الإمام أحمد بقول دل عليه الشرع فإنه مع الجماعة[17].

مسألة: هل يلحق بالحجامة الفصد، والشرط، والإرعاف، وما أشبه ذلك، كالتبرع بالدم؟
الفصد: قطع العرق، والشرط: شق العرق. فإن شققته طولاً فهو شرط، وإن شققته عرضًا فهو فصد.
فالمذهب لا يلحق بالحجامة؛ لأن الأحكام التعبدية لا يقاس عليها، وهذه قاعدة أصولية فقهية "الأحكام التعبدية لا يقاس عليها"؛ لأن من شرط القياس اجتماع الأصل والفرع في العلة، وإذا لم تكن معلومة فلا قياس. فيقولون: إن الفطر بالحجامة تعبدي، فلا يلحق به الفصد والشرط والإرعاف ونحوها؛ فتكون هذه جائزة للصائم فرضًا ونفلاً.

أما على ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أن علة الفطر بالحجامة معلومة، فيقول: إن الفصد والشرط يفسدان الصوم، وكذلك لو أرعف نفسه حتى خرج الدم من أنفه، بأن تعمد ذلك ليخف رأسه، فإنه يفطر بذلك، وقوله - رحمه الله - أقرب إلى الصواب.

وأما مغالاة العامة بحيث إن الإنسان لو استاك وأدمت لثته قالوا: أفطر، ولو حك جلده حتى خرج الدم قالوا: أفطر، ولو قلع ضرسه وخرج الدم قالوا: أفطر، ولو رعف بدون اختياره قالوا: أفطر، فكل هذه مبالغة، فقلع الضرس لا يفطر ولو خرج الدم؛ لأن قالع ضرسه لا يقصد بذلك إخراج الدم، وإنما جاء خروج الدم تبعًا، وكذلك لو حك الإنسان جلده، أو بط الجرح حتى خرجت منه المادة العفنة فكل ذلك لا يضر.

عامدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَسد لا ناسيًا،.........
قوله: "عامدًا" حال من فاعل "أكل" وما عطف عليه، اشترط المؤلف لفساد الصوم بما ذكر شرطين:
الشرط الأول: أن يكون عامدًا، وضده غير العامد، وهو نوعان، أحدهما: أن يحصل المفطر بغير اختياره بلا إكراه، مثل أن يطير إلى فمه غبار أو دخان أو حشرة أو يتمضمض، فيدخل الماء بطنه بغير قصد فلا يفطر، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وهذا لم يتعمد قلبه فعل المفسد؛ فيكون صومه صحيحًا.

الثاني: أن يفعل ما يفطر مكرهًا عليه فلا يفسد صومه لقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106] فإذا كان حكم الكفر يعفى عنه مع الإكراه، فما دون الكفر من باب أولى، وعلى هذا فلو أكره الرجل زوجته على الجماع، وهي صائمة، وعجزت عن مدافعته فصيامها صحيح، ويشترط لرفع الحكم أن يفعل هذا الشيء لدفع الإكراه لا للاطمئنان به، يعني أنه شرب أو أكل دفعًا للإكراه، لا رضًا بالأكل أو الشرب بعد أن أكره عليه، فإن فعله رضًا بالأكل أو الشرب بعد أن أكره عليه؛ فإنه لا يعتبر مكرهًا، هذا هو المشهور من المذهب، وقيل: بل يعتبر مكرهًا؛ لأن أكثر الناس لا سيما العوام لا يفرقون بين أن يفعلوا هذا الشيء لدفع الإكراه أو أن يفعلوه اطمئنانًا به؛ لأنهم أكرهوا وعموم قوله - صلّى الله عليه وسلّم -: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))[18] يشمل هذه الصورة، وهذا اختيار شيخ الإسلام.

قوله: "ذاكرًا لصومه فسد لا ناسيًا" هذا هو الشرط الثاني: أن يكون ذاكرًا، وضده الناسي.
فلو فعل شيئًا من هذه المفطرات ناسيًا، فلا شيء عليه لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه))[19].

وقوله - صلّى الله عليه وسلّم -: ((وهو صائم)) يشمل الفريضة، والنافلة.
وانظر قوله في الحديث ((أطعمه الله)) فلم ينسب الفعل إلى الفاعل، بل إلى الله؛ لأنه ناسٍ لم يقصد المخالفة والمعصية، ولهذا نُسب فعله إلى من أنساه وهو الله - عزّ وجل - وهذا دليل خاص.
ولدينا دليل عام وهو قاعدة شرعية من أقوى قواعد الشريعة وهي قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] فقال الله تعالى: ((قد فعلت)).
فصار في النسيان دليلان عام وخاص، وإذا اجتمع في المسألة دليلان عام وخاص، فالأولى أن نستدل بالخاص؛ لأننا إذا استدللنا بالعام، فإنه قد يقول قائل هذا عام، والمسألة هذه مستثناة من العموم، فقد يدعي هذا، مع أنه لو ادعاه لكانت الدعوى مردودة؛ لأن الأصل أن العموم شامل لجميع أفراده؛ والدليل على أن العام شامل لجميع أفراده، قوله - صلّى الله عليه وسلّم -: ((إنكم إذا قلتم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض))[20]؛ لأن ((عباد الله الصالحين)) عامة؛ ولذلك قال: ((فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض)) فلو استدللنا على أن الناسي إذا أكل أو شرب لا يفسد صومه بآية البقرة، فإنه استدلال صحيح، ولو ادعى مدعٍ أن هذا خارج عن العموم، قلنا له أين الدليل؟ لأن الأصل أن العام شامل لجميع أفراد العموم.

لكن لو أكل ناسيًا أو شرب ناسيًا، ثم ذكر أنه صائم واللقمة في فمه، فهل يلزمه أن يلفظها؟
الجواب: نعم يلزمه أن يلفظها؛ لأنها في الفم وهو في حكم الظاهر، ويدل على أنه في حكم الظاهر، أن الصائم لو تمضمض لم يفسد صومه. أما لو ابتلعها حتى وصلت ما بين حنجرته ومعدته لم يلزمه إخراجها، ولو حاول وأخرجها، لفسد صومه لأنه تعمد القيء.
أفادنا المؤلف - رحمه الله - بعموم كلامه أن الجماع كغيره، والجماع على المشهور من المذهب لا يشمله هذا الحكم، والصحيح أنه كغيره والدليل عدم الدليل على الفرق، ونحن لا نفرق إلا ما فرق الله ورسوله - صلّى الله عليه وسلّم - بينه، ولم يفرق الله - عزّ وجل - ورسوله - صلّى الله عليه وسلّم - بين الجماع وغيره إلا في مسألة واحدة وهي الكفارة.

أَوْ مُكْرهًا،........
قوله: "أو مكرهًا" يعني أنه إذا كان مكرهًا على المفطرات، فإنه لا يفطر، فيشترط أن يكون عمدًا، لقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5][21].

قال في "الروض": "ولو بوجود مغمى عليه معالجة" أي: إذا أغمي عليه وهو صائم، فصبوا في فمه ماء لعله يصحو فصحا فلا يفطر بهذا؛ لأنه غير قاصد، فالذي صب في فمه الماء شخص آخر، وهو مغمى عليه لا يحس، كما لو أتيت إلى شخص نائم وصببت في فمه ماء فإنه لا يفطر؛ لأنه بغير قصد، وإذا صببت في فمه الماء فسوف يبتلعه وهو نائم، ولكنه يبتلعه وهو غير تام الشعور فلا يفسد صومه.
ومقتضى كلام المؤلف، أنه لا يشترط أن يكون عالمًا؛ لأنه لم يذكر إلاّ شرطين، العمد والذكْر، فإن كان جاهلاً فإنه يفطر.
والصحيح اشتراط العلم، لدلالة الكتاب والسنة عليه، فتكون شروط المفطرات ثلاثة: العلم، والذكْر، والعمد.

وضد العلم الجهل، والجهل ينقسم إلى قسمين:
1- جهل بالحكم الشرعي، أي: لا يدري أن هذا حرام.
2- جهل بالحال، أي: لا يدري أنه في حال يحرم عليه الأكل والشرب، وكلاهما عذر.
والدليل لذلك قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. وإذا انتفت المؤاخذة انتفى ما يترتب عليها، وهذا دليل عام.

وهناك دليل خاص في هذه المسألة للنوعين من الجهل:
أما الجهل بالحكم، فدليله حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه – "أنه أراد أن يصوم وقرأ قول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187]. فأتى بعقال أسود - حبل تربط به يد البعير - وأتى بعقال أبيض، وجعلهما تحت وسادته، وجعل يأكل وينظر إلى الخيطين؛ حتى تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود." فهذا أخطأ في فهم الآية؛ لأن المراد بها أن الخيط الأبيض بياض النهار، والأسود سواد الليل، فلما جاء إلى النبي - صلّى الله عليه وسلّم - أخبره قال له: ((إن وسادك لعريض أن وَسِعَ الخيط الأبيض والأسود))[22] ولم يأمره بالقضاء؛ لأنه جاهل لم يقصد مخالفة الله ورسوله - صلّى الله عليه وسلّم -، بل رأى أن هذا حكم الله ورسوله - صلّى الله عليه وسلّم - فعُذر بهذا.

وأما الجهل بالحال: فقد ثبت في الصحيح عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: "أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي - صلّى الله عليه وسلّم - ثم طلعت الشمس"[23] فأفطروا في النهار بناءً على أن الشمس قد غربت فهم جاهلون، لا بالحكم الشرعي ولكن بالحال، لم يظنوا أن الوقت في النهار، ولم يأمرهم النبي - صلّى الله عليه وسلّم - بالقضاء، ولو كان القضاء واجبًا لأمرهم به، لأنه من شريعة الله، وإذا كان من شريعة الله كان محفوظًا تنقله الأمة؛ لأنه مما تتوافر الدواعي لنقله، فلما لم يحفظ، ولم ينقل عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم -، فالأصل براءة الذمة، وعدم القضاء.
وهذه قاعدة مهمة أشرنا إليها من قبل وهي أننا إذا شككنا في وجوب شيء أو تحريمه فالأصل عدمه، إلا في العبادات فالأصل فيها التحريم.

ولكن من أفطر قبل أن تغرب الشمس إذا تبين أن الشمس لم تغرب، وجب عليه الإمساك، لأنه أفطر بناءً على سبب، ثم تبين عدمه، وهذا يجرنا إلى مسألة مهمة وهي أن من بنى قوله على سبب، تبين أنه لم يوجد فلا حكم لقوله، وهذه لها فروع كثيرة من أهمها:

ما يقع لبعض الناس في الطلاق، يقول لزوجته مثلاً: إن دخلت دار فلان فأنت طالق، بناءً على أنه عنده آلات محرمة مثل المعازف أو غيرها، ثم يتبين أنه ليس عنده شيء من ذلك، فهل إذا دخلت تطلق أو لا؟
الجواب: لا تطلق، لأنه مبني على سبب تبين عدمه، وهذا هو القياس شرعًا وواقعًا.
مسألة: لو أن رجلاً صائمًا أكل ناسيًا حتى بقي عليه قليل من الطعام، فأكله متأولاً بأنه، إن كان ما سبق أكلُهُ ناسيًا لا يفطر مع أنه أكثر، فأقله لا يفطر تبعًا، وإن كان ما سبق مفطرًا فهو الآن غير صائم فله أكل البقية، فهل يكون معذورًا بذلك؟ فالمذهب أنه غير معذور بالجهل فلا يكون هذا معذورًا، وعلى القول الراجح وهو العذر بالجهل يحتمل أن يكون معذورًا لتأوله، ويحتمل ألاّ يكون معذورًا لتفريطه؛ لأن الواجب عليه هنا أن يسأل، وعلى كل حال فقضاء الصوم أحوط، والله أعلم.

أوْ طَارَ إِلَى حَلْقِه ذُبَابٌ، أوْ غُبَارٌ،..........
قوله: "أو طار إلى حلقه ذباب، أو غبار" أي: فلا يفطر؛ لأنه بغير قصد، لكن لو طار إلى أقصى الفم فإنه يمكنه أن يخرجه، إنما لو ذهب إلى الحلق فلا يمكن أن يخرجه، وربما لو حاول إخراجه تقيأ، لذلك يعفى عنه، وكذلك إذا طار إلى حلقه غبار، فإنه لا يفطر؛ لعدم القصد، ولا يقال للعامل الذي يعمل في التراب لا تعمل وأنت صائم؛ لأنك لو عملت وأنت صائم لطار إلى حلقك غبار؛ لأننا نقول: إن طيران الغبار إلى حلقه ليس بمقصود، لكن أفلا يقال: ما دام هذا العمل سببًا لإفطاره لا يجوز أن يعمل؟
الجواب: ليس هذا سببًا لإفطاره؛ لأنه إذا طار إلى حلقه غبار بلا قصد فإنه لا يفطر.

أوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ، أوِ احْتَلَمَ، أَوْ أَصْبَحَ فِي فِيهِ طَعامٌ فَلَفَظَهُ،..........
قوله: "أو فكر فأنزل" أي: فكر في الجماع، فأنزل سواء كان ذا زوجة، ففكر في جماع زوجته، أو لم يكن ذا زوجة ففكر في الجماع مطلقًا، فأنزل فإنه لا يفسد صومه بذلك.
ودليله: قول النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: ((إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم))[24]. وهذا لم يعمل، ولم يتكلم، إنما حدث نفسه وفكر فأنزل.
وعُلم من كلامه "فكر فأنزل" أنه لو حصل منه عمل فإنه يفطر؛ بأن تدلك بالأرض حتى أنزل، أو حرك ذكره حتى أنزل، أو قبل زوجته حتى أنزل، أو ما أشبه ذلك فإنه يفطر.

قوله: "أو احتلم" أي: فلا يفطر حتى لو نام على تفكير، واحتلم في أثناء النوم؛ لأن النائم غير قاصد، وقد رفع عنه القلم، وأحيانًا يستيقظ الإنسان حينما يتحرك الماء الدافق، فهل يلزمه في هذه الحال أن يمسكه؟
الجواب: لا؛ لأنه انتقل من محله ولا يمكن رده؛ لأن حبسه بالضغط على الذكر مضر، كما لو تحركت معدته ليتقيأ، فإنه لا يلزمه أن يحبسها لما في ذلك من الضرر.

قوله: "أو أصبح في فيه طعام فلفظه" أي: لا يفسد صومه؛ لأنه لم يبتلع طعامًا بعد طلوع الفجر.
ويتصور ذلك إذا كان الإنسان مثلاً يأكل تمرًا، وصار في أقصى فمه شيء من التمر، ولم يحس به إلا بعد طلوع الفجر ففي هذه الحال يلفظه، وصومه صحيح ولا بأس.
أوِ اغْتَسَلَ، أوْ تَمَضْمَضَ، أو اسْتَنْثَرَ أوْ زَادَ عَلَى الثَّلاَثِ، أَوْ بَالَغَ فَدَخَلَ المَاءُ حَلْقَهُ لَمْ يَفْسُدْ.

قوله: "أو اغتسل" أي: اغتسل فدخل الماء إلى حلقه، فإنه لا يفطر بذلك؛ لعدم القصد.

قوله: "أو تمضمض" أي: فدخل الماء إلى حلقه، حتى وصل إلى معدته، فإنه لا يفطر؛ لعدم القصد.

قوله: "أو استنثر" والمراد استنشق؛ لأن الاستنثار يخرج الماء من الأنف، فإما أن يكون هذا من المؤلف سبقة قلم، أو سهوًا، أو أراد الاستنثار بعد الاستنشاق، ولكن حتى لو أراد هذا لم يستقم؛ لأن الاستنثار إخراج ما في الأنف لا إدخال شيء إليه.
فإذا استنشق الماء في الوضوء مثلاً، ثم نزل الماء إلى حلقه، فإنه لا يفطر؛ لعدم القصد.

قوله: "أو زاد على الثلاث" أي: في المضمضة، أو الاستنشاق، فدخل الماء إلى حلقه، فإنه لا يفسد صومه.
وأتى المؤلف بقوله: "زاد على الثلاث"؛ لأن ما قبل الثلاث في المضمضة والاستنشاق مشروع ومأذون فيه، والقاعدة عند العلماء أن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، فإذا تمضمض في الأولى والثانية والثالثة، فوصل الماء إلى حلقه، فإنه لا يفطر بذلك؛ لأنه لم يفعل إلا شيئًا مشروعًا، وهذا ترتب على شيء مشروع فلا يضر.
والزيادة على الثلاث في الوضوء إما محرمة، وإما مكروهة كراهة شديدة؛ لقول النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: ((من زاد على ذلك فقد أساء وتعدى وظلم))[25] فأدنى أحوالها أنها مكروهة، فإذا زاد على الثلاث ووصل الماء إلى حلقه، فإنه لا يفطر لعدم القصد؛ لأنك لو سألت هذا الذي تمضمض أكثر من ثلاث، أتريد أن يصل الماء إلى حلقك؟ لقال: لا.

قوله: "أو بالغ فدخل الماء حلقه لم يفسد" أي: لو بالغ في الاستنشاق أو المضمضة، مع أنه مكروه للصائم أن يبالغ فيهما، ودخل الماء حلقه فإنه لا يفطر بذلك؛ لعدم القصد.

تنبيه: ذكر المؤلف - رحمه الله - ست مسائل علق الحكم فيها بوصول الماء إلى حلق الصائم، فجعل مناط الحكم وصول الماء إلى الحلق لا إلى المعدة، وظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أن مناط الحكم وصول المفطِّر إلى المعدة، ولا شك أن هذا هو المقصود؛ إذ لم يرد في الكتاب والسنة أن مناط الحكم هو الوصول إلى الحلق، لكن الفقهاء - رحمهم الله - قالوا: إن وصوله إلى الحلق مظِّنة وصوله إلى المعدة، أو إن مناط الحكم وصول المفطر إلى شيء مجوف والحلق مجوف.

مسألة: لو يبس فمه - كما يوجد في أيام الصيف، ومع بعض الناس - بحيث يكون ريقه قليلاً، ينشف فمه، فيتمضمض من أجل أن يبتل فمه، أو تغرغر بالماء ونزل إلى بطنه، فلا يفطر بذلك؛ لأنه غير مقصود، إذ لم يقصد الإنسان أن ينزل الماء إلى بطنه، وإنما أراد أن يبل فمه، ونزل الماء بغير قصد.

ويتفرع على هذا، هل يجوز للصائم أن يستعمل الفرشة والمعجون أو لا؟
الجواب: يجوز، لكن الأولى ألا يستعملهما؛ لما في المعجون من قوة النفوذ والنزول إلى الحلق، وبدلاً من أن يفعل ذلك في النهار يفعله في الليل، أو يستعمل الفرشة بدون المعجون.
وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوع الفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهُ، لاَ إِنْ أَكَلَ شَاكًّا في غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْلٌ فَبَانَ نَهَارًا.

قوله: "ومن أكل شاكًا في طلوع الفجر صح صومه" أي: من أتى مفطرًا، وهو شاك في طلوع الفجر فصومه صحيح، لأن الله - سبحانه وتعالى - قال: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] وضد التبين الشك والظن، فما دمنا لم يتبين الفجر لنا؛ فلنا أن نأكل ونشرب؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] وهذا من الخطأ.
ولحديث أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - حيث أكلوا يظنون غروب الشمس، ثم طلعت[26]؛ وإذا كان هذا في آخر النهار فأوله من باب أولى؛ لأن أوله مأذون له في الأكل والشرب حتى يتبين له الفجر.

وهذه المسألة لها خمسة أقسام:
1 - أن يتيقن أن الفجر لم يطلع، مثل أن يكون طلوع الفجر في الساعة الخامسة، ويكون أكله وشربه في الساعة الرابعة والنصف فصومه صحيح.
2 - أن يتيقن أن الفجر طلع، كأن يأكل في المثال السابق في الساعة الخامسة والنصف فهذا صومه فاسد.
3 - أن يأكل وهو شاك هل طلع الفجر أو لا؟ ويغلب على ظنه أنه لم يطلع، فصومه صحيح.
4 - أن يأكل ويشرب، ويغلب على ظنه أن الفجر لم يطلع فصومه صحيح أيضًا.
5 - أن يأكل ويشرب مع التردد الذي ليس فيه رجحان، فصومه صحيح.
كل هذا يؤخذ من قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187].

وهل يقيد هذا فيما إذا لم يتبين أنه أكل بعد طلوع الفجر؟
الراجح أنه لا يقيد، حتى لو تبين له بعد ذلك أن الفجر قد طلع، فصومه صحيح بناءً على العذر بالجهل في الحال.

وأما على المذهب: فإذا تبين أن أكله كان بعد طلوع الفجر؛ فعليه القضاء بناءً على أنه لا يعذر بالجهل، والصواب أنه لا قضاء عليه ولو تبين له أنه بعد الصبح؛ لأنه كان جاهلاً؛ ولأن الله أذن له أن يأكل حتى يتبين، ومن القواعد الفقهية المقررة "أن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون". أي: ليس له حكم لأنه مأذون فيه.

قوله: "لا إن أكل شاكًّا في غروب الشمس" أي: فلا يصح صومه؛ لأن الله يقول: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]. فلا بد أن يتم إلى الليل، ولقول النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: ((إذا أقبل الليل من هاهنا - وأشار بيده إلى الشرق - وأدبر النهار من هاهنا - وأشار إلى المغرب - وغربت الشمس)) فلا بد أن تغرب الشمس ((فقد أفطر الصائم))[27].

والفرق بين من أكل شاكًّا في طلوع الفجر، ومن أكل شاكًّا في غروب الشمس، أن الأول بانٍ على أصل وهو بقاء الليل، والثاني أيضًا بانٍ على أصل وهو بقاء النهار، فلا يجوز أن يأكل مع الشك في غروب الشمس، وعليه القضاء ما لم نعلم أنه أكل بعد غروب الشمس، فإن علمنا أن أكله كان بعد الغروب، فلا قضاء عليه.
ويجوز أن يأكل إذا تيقن، أو غلب على ظنه أن الشمس قد غربت، حتى على المذهب إذا غلب على ظنه أن الشمس قد غربت، فله أن يفطر ولا قضاء عليه ما لم يتبين أنها لم تغرب.

مسألة: إن أكل ظانًّا أن الشمس غربت، ولم يتبين الأمر فصومه صحيح، وهذا يؤخذ من قول المؤلف "شاكًّا في غروب الشمس" فعُلم منه أنه لو أكل وقد ظن أن الشمس قد غربت، فإنه يصح صومه ما لم يتبين أنها لم تغرب.
فإن تبين أنها لم تغرب فالصحيح أنه لا قضاء عليه، والمذهب أن عليه القضاء.

فإن قال قائل: ما الدليل على أنه يجوز الفطر بالظن مع أن الأصل بقاء النهار؟
فالجواب: حديث أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: "أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم"[28] وإفطارهم بناءً على ظن قطعًا؛ لقولها في هذا الحديث "ثم طلعت الشمس"، فدل ذلك على أنه يجوز أن يُفطر بظن الغروب، ثم إن تبين أن الشمس غربت فالأمر واضح، أو لم يتبين شيء فالأمر أيضًا واضح، وإن تبين أنها لم تغرب وجب القضاء على المذهب، وعلى القول الراجح لا يجب القضاء.

مسألة: رجل غابت عليه الشمس وهو في الأرض وأفطر، وطارت به الطائرة ثم رأى الشمس؟
نقول: لا يلزم أن يمسك؛ لأن النهار في حقه انتهى، والشمس لم تطلع عليه بل هو طلع عليها، لكن لو أنها لم تغب وبقي خمس دقائق ثم طارت الطائرة ولما ارتفعت، إذ الشمس باقٍ عليها ربعُ ساعة أو ثلث، فإن صيامه يبقى؛ لأنه ما زال عليه صومه.

قوله: "أو معتقدًا أنه ليل فبان نهارًا" أي: لو أكل يعتقد أنه في ليل، فبان نهارًا لم يصح صومه، سواء من أول النهار أو آخره، أكل يعتقد أنه ليل بناءً على ظنه، أو بناءً على الأصل فبان نهارًا فعليه القضاء، فالفقهاء - رحمهم الله - لا يعذرون بالجهل ويقولون العبرة بالواقع.

مثاله: أكل السحور يعتقد أن الفجر لم يطلع، فتبين أنه طالع فالمذهب يجب عليه القضاء، وهذا يقع كثيرًا، يقوم الإنسان من فراشه، ويقرب سحوره ويأكل ويشرب، وإذا بالصلاة تقام فيكون قد أكل في النهار، فعليه القضاء على المذهب. والقول الراجح أنه لا قضاء عليه وسبق دليله.
وكذلك إذا أكل يعتقد أن الشمس غربت، ثم تبين أنها لم تغرب، فهو أكل يعتقد أنه في ليل فبان أنه في نهار، فيلزمه على المذهب القضاء، وعلى القول الراجح لا يلزمه. ودليله حديث أسماء السابق، حيث لم يأمرهم النبي - صلّى الله عليه وسلّم - بالقضاء، وهذا دليل خاص، ومن الأدلة العامة قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].
إذًا الفرق بين أول النهار وآخره، أنه يجوز في أول النهار الأكل مع الشك، وفي آخر النهار لا يجوز الأكل مع الشك.


مسألة

فَصْلٌ
وَمَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَان فِي قُبُلٍ أوْ دُبُرٍ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ، وَإِنْ جَامَعَ دُونَ الفَرجِ فأَنْزَلَ أَوْ كَانَتِ المرأةُ معذورةً، أوْ جَامَعَ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ؛ أفْطَرَ وَلاَ كَفَّارَةَ.
قوله: "فصل" عقد المؤلف - رحمه الله - فصلاً خاصًّا للجماع؛ لكونه أعظم المفطرات تحريمًا وأكثرها تفصيلاً، ولهذا وجبت فيه الكفارة.

والجماع من مفطرات الصائم، ودليله الكتاب، والسنة، والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].
وأما السنة فستأتي.

وأما الإجماع فهو منعقد على أنه مفطر.
قوله: "ومن جامع في نهار رمضان" "مَن" مِن صيغ العموم؛ لأنها اسم شرط، فيشمل كل من جامع في نهار رمضان وهو صائم، وجوابها قوله "فعليه القضاء والكفارة"، ولكن ليس هذا على العموم بل لا بد من شروط:

الشرط الأول: أن يكون ممن يلزمه الصوم، فإن كان ممن لا يلزمه الصوم، كالصغير، فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة.

الشرط الثاني: ألاَّ يكون هناك مسقط للصوم، كما لو كان في سفر، وهو صائم، فجامع زوجته، فإنه لا إثم عليه، ولا كفارة، وإنما عليه القضاء فقط لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].

مثال آخر: رجل مريض صائم، وهو ممن يباح له الفطر بالمرض، لكنه تكلف وصام، ثم جامع زوجته فلا كفارة عليه، لأنه ممن يحل له الفطر.

الشرط الثالث: أن يكون في قُبُل أو دبر وإليه الإشارة بقوله: "في قبل أو دبر فعليه القضاء والكفارة" والقبل يشمل الحلال والحرام، فلو زنى فهو كما لو جامع في فرج حلال.

وقوله: "أو دبر" الجماع في الدبر غير جائز، لكن العلماء يذكرون المسائل بقطع النظر عن كونها حلالاً أو حرامًا.

وقوله: "فعليه القضاء"؛ لأنه أفسد صومه الواجب، فلزمه القضاء كالصلاة، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، وذهب بعض العلماء إلى أن من أفسد صومه عامدًا بدون عذر، فلا قضاء عليه وليس عدم القضاء تخفيفًا، لكنه لا ينفعه القضاء، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لكن لو قال قائل يرد على هذا القول: إنكم إذا قلتم بذلك فمعناه أن المفطرات لا فائدة منها؛ لأنكم تشترطون في المفطرات أن يكون متعمدًا، وأنتم تقولون: إذا أفطر متعمدًا فلا قضاء فكيف ذلك؟
الجواب: نقول على هذا الرأي تكون المفطرات نافعة فيما إذا جاز الفطر لعذر، أما إذا كان لغير عذر فإن هذه المفطرات تفسد صومه ولا يلزمه القضاء، لكن جمهور أهل العلم على أنه يلزمه القضاء، ولو تعمد الفطر، بخلاف الرجل الذي لم يصم ذلك اليوم أصلاً وتركه متعمدًا، فإن الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام من أنه لا ينفعه القضاء، والفرق بين هذه المسألة وبين من شرع في الصوم، أن من شرع في الصوم فقد التزمه وألزم نفسه به، فإذا أفسده؛ ألزم بقضائه كالنذر، بخلاف من لم يصم أصلاً.

وقوله: "والكفارة" احترامًا للزمن، وبناء على ذلك لو كان هذا في قضاء رمضان، فعليه القضاء لهذا اليوم الذي جامع فيه، وليس عليه كفارة؛ لأنه خارج شهر رمضان.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن ينزل أو لا ينزل، فإذا أولج الحشفة في القبل أو الدبر، فإنه يلزمه القضاء والكفارة.

قوله: "وإن جامع دون الفرج فأنزل، أو كانت المرأة معذورة" هاتان مسألتان:

الأولى: إذا جامع دون الفرج فأنزل، فقد ذكر المؤلف أن عليه القضاء دون الكفارة؛ لأنه أفسد صومه بغير الجماع، ومثاله أن يجامع بين فخذي امرأته وينزل، وعن أحمد رواية أنه تلزمه الكفارة؛ لأن الإنزال موجب للغسل فكان موجبًا للكفارة كالجماع، ولكن هذا القياس فيه نظر؛ لأن الإنزال دون الجماع وإن كان موجبًا للغسل؛ فلو أن إنسانًا تمتع بامرأة حتى أنزل فإنه لا يقام عليه الحد، ولو جامعها أقيم عليه الحد. ولو أن إنسانًا باشر امرأة حتى أنزل، في الحج لم يفسد حجه بخلاف الجماع، ولو أنه فعل ذلك في الحج فأنزل لم يكن عليه بدنة على القول الراجح؛ لأنه دون الجماع. فالإنزال دون الجماع بالاتفاق فلا يمكن أن يلحق به؛ لأن من شرط القياس مساواة الفرع للأصل، فإذا لم يساوه امتنع القياس، فالمذهب هو الصحيح في هذه المسألة.

الثانية: إذا كانت المرأة معذورة بجهل، أو نسيان، أو إكراه؛ فإن عليها القضاء دون الكفارة وسيأتي الكلام عليها.
وعُلم من قوله: "أو كانت المرأة معذورة" أنه لو كانت مطاوعة فعليها القضاء والكفارة كالرجل.

فإن قال قائل: ما الدليل على وجوب الكفارة بالجماع؟
فالجواب: حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين "أن رجلاً أتى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: "هلكت"، قال: ((ما أهلكك؟)) قال: "وقعت على امرأتي في رمضان، وأنا صائم))، فسأله النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: ((هل تجد رقبة؟)) فقال: "لا"، قال: ((هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟)) قال: "لا"، قال: ((هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟)) قال: "لا"، ثم جلس الرجل، فجيئ إلى النبي - صلّى الله عليه وسلّم - بتمر فقال: ((خذ هذا تصدق به))، قال: "أعلى أفقر مني يا رسول الله؟! والله ما بين لابَتَيْها أهل بيت أفقر مني". فضحك النبي - صلّى الله عليه وسلّم - ثم قال: ((أطعمه أهلك))[29] فرجع إلى أهله بتمر".

فإن قال قائل: ما الدليل على وجوب الكفارة على المرأة، والنبي - صلّى الله عليه وسلّم - لم يذكر في هذا الحديث أن على المرأة كفارة، مع أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يمكن، أي لا يمكن أن يؤخر النبي - صلّى الله عليه وسلّم - بيان الحكم مع دعاء الحاجة إليه؟
فالجواب: أن هذا الرجل استفتى عن فعل نفسه، والمرأة لم تستفتِ، وحالها تحتمل أن تكون معذورة بجهل أو إكراه، وتحتمل أن تكون غير معذورة، فلما لم تأتِ وتستفتِ؛ سكت عنها النبي - صلّى الله عليه وسلّم - ولم يذكر أن عليها كفارة، والفتوى لا يشترطُ فيها البحث عن حال الشخص الآخر، ولهذا لما جاءت امرأة أبي سفيان للنبي - صلّى الله عليه وسلّم - تشتكيه بأنه لا ينفق، لم يطلب أبا سفيان ليسأله، بل أذن لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي ولدها[30].

فإذا قال قائل: ما الدليل على الوجوب عليها؟ أليس الأصل براءة الذمة؟
فالجواب: الدليل على ذلك أن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام إلا بدليل، ولهذا لو أن رجلاً قذف رجلاً بالزنى لجلد ثمانين جلدة إذا لم يأتِ بالشهود، مع أن الآية في النساء {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4].

فالمرأة مسكوت عنها فهي قضية عين؛ لا يمكن أن تستدل بها على انتفاء الوجوب في حق المرأة، ولا على الوجوب، ولكن القياس يقتضي أن تكون مثله، فإذا كان الفعل واحدًا وكان موجبًا لحد الزنى على المرأة، والحد كفارة للزاني فإنه يلزم أن يكون موجبًا للكفارة هنا، كما يجب على الزوج، وهذا هو الأقرب من أقوال أهل العلم، وبعض العلماء يقول لا كفارة عليها للسكوت عنها في الحديث، وبعضهم يقول: إذا أكرهت فكفارتها على الزوج؛ لأنه هو الذي أكرهها، ولكن الصواب أنها إذا أكرهت لا شيء عليها.

فإذا قال قائل: ظاهر كلام المؤلف أنه لو كان الرجل هو المعذور بجهل أو نسيان فإنّ الكفارة لا تسقط عنه؟
قلنا: نعم هذا ظاهر قوله؛ لقوله: "أو كانت المرأة معذورة" ففهم منه أنه لو كان الرجل هو المعذور؛ فإنّ الكفارة لا تسقط عنه، وهذا المشهور من المذهب.
والصحيح أن الرجل إذا كان معذورًا بجهل، أو نسيان، أو إكراه، فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة، وأن المرأة كذلك إذا كانت معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه، فليس عليها قضاء ولا كفارة.
والمذهب أن عليها القضاء، وليس عليها الكفارة، وهذا من غرائب العلم أن تعذر في أحد الواجبين دون الآخر؛ لأن مقتضى العذر أن يكون مؤثرًا فيهما جميعًا، أو غير مؤثر فيهما جميعًا وقد علمت الصحيح في ذلك.

مسألة مهمة: وهي: أن الفقهاء - رحمهم الله - قالوا: لا يمكن الإكراه على الجماع من الرجل، أي: لا يمكن أن يُكره الرجلُ على الجماع؛ لأن الجماع لا بد فيه من انتشار وانتصاب للذكر، والمكره لا يمكن أن يكون منه ذلك.

فيقال: هذا غير صحيح؛ لأن الإنسان إذا هُدد بالقتل أو بالحبس أو ما أشبه ذلك، ثم دنا من المرأة فلا يسلم من الانتشار، وكونهم يقولون هذا غير ممكن نقول: بل هذا ممكن.

فإن قال قائل: الرجل الذي جاء إلى الرسول - صلّى الله عليه وسلّم - أليس جاهلاً؟
فالجواب: هو جاهل لما يجب عليه، وليس جاهلاً أنه حرام، ولهذا يقول "هلكت"[31]، ونحن إذا قلنا إن الجهل عذر، فليس مرادنا أن الجهل بما يترتب على هذا الفعل المحرم، ولكن مرادنا الجهل بهذا الفعل، هل هو حرام أو ليس بحرام، ولهذا لو أن أحدًا زنى جاهلاً بالتحريم، وهو ممن عاش في غير البلاد الإسلامية، بأن يكون حديثَ عهدٍ بالإسلام، أو عاش في بادية بعيدة لا يعلمون أن الزنى محرّم؛ فزنى فإنه لا حدّ عليه، لكن لو كان يعلم أنّ الزنى حرام، ولا يعلم أن حده الرجم، أو أن حده الجلد والتغريب، فإنه يُحد لأنه انتهك الحرمة، فالجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، والجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام، هذا عذر.

قوله: "أو جامع من نوى الصوم في سفره أفطر ولا كفارة" قوله: "من نوى الصوم في سفره" أي كان صائمًا في سفره أفطر أي: فسد صومه بجماعه.

مثاله: إنسان مسافر سفرًا يبيح الفطر فصام، ثم في أثناء النهار جامع زوجته، فهذا يُفطر لأنه جامع، والجماع من المفطرات وليس عليه كفارة؛ لأنه لم ينتهك حرمة الصوم، حيث إن الصوم لا يجب عليه في السفر، ويلزمه القضاء. وعليه فالذين يذهبون إلى العمرة في رمضان، ويصومون هناك، ثم يجامع أحدهم زوجته في النهار ليس عليه كفارة؛ لأنه مسافر، والمسافر يباح له الفطر فيباح له الجماع والأكل، هذا إذا نوى أقل من أربعة أيام، أما إذا نوى أكثر من أربعة أيام، فالمسألة خلافية معروفة. والصحيح أنه مسافر حتى لو أقام الشهر كله يجوز له الفطر.

وقوله: "أفطر ولا كفارة" هذا جواب الشرط وهو يشمل الصور الثلاث:
1 - إذا جامع دون الفرج فأنزل.
2 - إذا كانت المرأة معذورة.
3 - إذا جامع من نوى الصوم في سفره.
وإنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ كَرَّرَهُ فِي يَوْمٍ وَلَمْ يُكَفِّر؛ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ في الثانية، وفي الأولَى اثْنَتَانِ. وإنْ جَامَعَ ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ جَامَعَ فِي يَوْمِهِ فَكَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ.

قوله: "وإن جامع في يومين، أو كرره في يوم ولم يكفر فكفارة واحدة في الثانية وفي الأولى اثنتان. وإن جامع ثم كفر ثم جامع في يومه فكفارة ثانية".

ذكر المؤلف - رحمه الله - مسألتين:
المسألة الأولى: إذا جامع في يومين بأن جامع في اليوم الأول من رمضان، وفي اليوم الثاني؛ فإنه يلزمه كفارتان، وإن جامع في ثلاثة أيام فثلاث كفارات، وإن جامع في كل يوم من الشهر فثلاثون كفارة أو تسع وعشرون حسب أيام الشهر؛ وذلك لأن كل يوم عبادة مستقلة، ولهذا لا يفسد صوم اليوم الأول، بفساد صوم اليوم الثاني.

وقيل: لا يلزمه إلا كفارة واحدة إذا لم يكفر عن الأول، وهو وجه في مذهب الإمام أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة؛ وذلك لأنها كفارات من جنس واحد، فاكتفي فيها بكفارة واحدة، كما لو حلف على أيمان متعددة، ولم يُكفِّر، فإنه إذا حنث في جميعها فعليه كفارة واحدة، وكما لو أحدث بأحداث متنوعة، فإنه يجزئه وضوء واحد، ويقال هذا أيضًا في كفارة الظهار إذا لم يكفر عن الأول.
وأما قتل النفس فتتعدد الكفارة؛ لأنها عوض عن النفس، كما لو قتل المحرم صيدًا في الحرم.
وهذا القول وإن كان له حظ من النظر والقوة، لكن لا تنبغي الفُتيا به؛ لأنه لو أفتي به لانتهك الناس حرمات الشهر كله، لكن لو رأى المفتي الذي ترجح عنده عدم تكرر الكفارة مصلحة في ذلك، فلا بأس أن يفتي به سرًّا، كما يصنع بعض العلماء فيما يفتون به سرًّا كالطلاق الثلاث.

المسألة الثانية: إذا جامع في يوم واحد مرتين، فإن كفر عن الأول لزمه كفارة عن الثاني، وإن لم يكفر عن الأول أجزأه كفارة واحدة؛ وذلك لأن الموجَب والموجِب واحد، واليوم واحد، فلا تتكرر الكفارة.
ومذهب الأئمة الثلاثة - وهو قول في المذهب - لا يلزمه عن الثاني كفارة؛ لأن يومه فسد بالجماع الأول، فهو في الحقيقة غير صائم، وإن كان يلزمه الإمساك، لكن ليس هذا الإمساك مجزئًا عن صوم، فلا تلزمه الكفارة؛ لأن الكفارة تلزم إذا أفسد صومًا صحيحًا، وهذا القول له وجه من النظر أيضًا.

مثاله: رجل جامع في أول النهار بعد طلوع الشمس بربع ساعة، ثم كفر بعتق رقبة، ثم جامع بعد الظهر، فعلى المذهب يلزمه كفارة ثانية؛ لأنه كفر عن الأولى، وهو الآن وإن كان ليس صائمًا صومًا شرعيًّا لكنه يلزمه الإمساك. وعلى القول الثاني لا تلزمه الكفارة؛ لأن الجماع لم يرد على صوم صحيح، وإنما ورد على إمساك فقط. وإذا تأملت المسألة وجدت أن القول الثاني أرجح، وأنه لا يلزمه بعد أن أفسد صومه كفارة؛ لأنه ليس صائمًا الآن، أما الإمساك فيلزمه الإمساك؛ لأن كل من أفطر لغير عذر حرم عليه أن يستمر في فطره.
ولا فرق بين أن يكون الجماع واقعًا على امرأة واحدة أو اثنتين؛ فلو جامع الأولى في أول النهار، والثانية في آخره، ولم يكفر عن الأول، فعليه كفارة واحدة.
وَكَذَا مَنْ لَزِمَه الإِمْسَاكُ إِذَا جَامَعَ، وَمَنْ جَامَعَ وَهُوَ مُعَافى ثُمَّ مَرِضَ، أوْ جُنَّ، أَوْ سَافَرَ لَمْ تَسْقُطْ.،........

قوله: "وكذا من لزمه الإمساك إذا جامع" أي: وكالصائم الذي كرر الجماع أو فعله مرة واحدة من لزمه الإمساك إذا جامع.

هذا له صور منها:
لو قامت البينة في أثناء النهار بدخول الشهر، وكان الرجل قد جامع زوجته في أول النهار قبل أن يعلم بالشهر، فيجب عليه القضاء، وتجب عليه الكفارة، لأنه لزمه الإمساك في هذا اليوم، ولذلك يقول الفقهاء: يُكره للإنسان أن يجامع زوجته في يوم الثلاثين من شعبان؛ لاحتمال أن تقوم البينة أثناء النهار، ثم يلزم بالكفارة، وهذا القول ضعيف لقوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]. ولقول الرسول - صلّى الله عليه وسلّم -: ((إذا رأيتموه فصوموا))[32].

ومنها لو كان الرجل مسافرًا، وكان مفطرًا فقدم إلى بلده، فالمذهب يلزمه أن يمسك، مع أن هذا الإمساك لا يعتد به، ولو جامع فيه فإن عليه الكفارة؛ لأنه يلزمه الإمساك.
ومثل ذلك أيضًا إذا كان مريضًا يباح له الفطر وقد أفطر، ثم شفاه الله وزال عنه المرض الذي استباح به الفطر، فإنه على المذهب يلزمه الإمساك، فإن جامع فعليه الكفارة.
وكذلك بالنسبة للمرأة لو طهرت من الحيض في أثناء النهار فيلزمها على المذهب الإمساك، فلو جامعها زوجها الذي يباح له الفطر فعليها الكفارة.

والقول الثاني: أنه لا يلزمهم الإمساك؛ لأن هذا اليوم في حقهم غير محترم، إذ إنهم في أوله مفطرون بإذن من الشرع، وليس عندنا صوم يجب في أثناء النهار، إلا إذا قامت البينة، فهذا شيء آخر، وعلى هذا لا تلزمهم الكفارة إذا حصل الجماع.
وهذا هو القول الراجح، قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: "من أفطر أول النهار فليفطر آخره"[33]. أي: من أبيح له أن يفطر في أول النهار، أبيح له أن يفطر في آخر النهار.

تنبيه: ظاهر قوله: "من لزمه الإمساك إذا جامع" يشمل ما إذا جامع في أول النهار قبل ثبوت دخول الشهر، ثم ثبت دخوله بعد ذلك؛ فيلزمه الإمساك والكفارة، والصحيح أن الكفارة لا تلزمه لأنه جاهل.

مسألة: من أفسد صومه بالأكل والشرب، يجب عليه الإمساك والقضاء مع الإثم، ولو جامع زوجته فعليه الكفارة؛ لأن أكله وشربه محرم عليه.

قوله: "ومن جامع وهو معافى، ثم مرض، أو جن، أو سافر لم تسقط". هذه عكس المسألة السابقة، أي: أنه جامع وهو معافى صائم، ثم مرض في أثناء النهار بمرض يبيح له الفطر، فتلزمه الكفارة، مع أنه في آخر النهار يباح له أن يفطر، لكن هو حين الجماع كان ممن لم يؤذن له بالفطر؛ فلزمته الكفارة.
وكذلك أيضًا من جامع وهو عاقل، ثم جن في أثناء النهار، فالصوم يبطل بالجنون، وعليه الكفارة؛ لأنه حين الجماع من أهل الوجوب.
وكذلك من جامع في أول النهار، ثم سافر في أثنائه، فإنه يباح له الفطر، وتلزمه الكفارة.

فإذا قال: قد أذن لي بالفطر آخر النهار فلا كفارة علي، كالذي أذن له بالفطر أول النهار وجامع في آخره، ورجحتم أنه لا كفارة عليه. فما الفرق؟
فالجواب: أن الفرق ظاهر جدًّا، فأنت حينما جامعت لم يؤذن لك بالفطر، بل أنت ملزم بالصوم، وما طرأ من العذر فهو طارئ بعد انتهاكك لحرمة الزمن، فظهر الفرق.

وَلاَ تَجِبُ الكَفَّارَةُ بِغَيْرِ الجِمَاعِ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ.،.......
قوله: "ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان" أراد المؤلف - رحمه الله - أن يبين ما تجب به الكفارة من المفطِّرات، فبين أنها لا تجب بغير الجماع في صيام رمضان. فهذان شرطان:

الأول: أن يكون مفسد الصوم جماعًا. والثاني: أن يكون في صيام رمضان. ونزيد شرطين آخرين؛ أحدهما: أن يكون الصيام أداء. والثاني: أن يكون ممن يلزمه الصوم.
فلا تجب الكفارة بالجماع في صيام النفل، أو في صيام كفارة اليمين، أو في صيام فدية الأذى، أو في صيام المتعة لمن لم يجد الهدي، أو في صيام النذر، ولا تجب الكفارة إذا جامع في قضاء رمضان، ولا تجب إذا جامع في رمضان وهو مسافر، ولا تجب الكفارة في الإنزال بقبلة، أو مباشرة، أو نحو ذلك؛ لأنه ليس بجماع.

وإنما نص المؤلف على هذه المسألة مع أن الأصل عدمها، وقد ذكرت سابقًا؛ لأن الفقهاء إذا نفوا حكمًا معلومًا انتفاؤه، فإنما يريدون الإشارة إلى الخلاف أي خلافًا لمن قال بذلك، وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الفطر بالإنزال كالجماع؛ لأنه من جنسه فيقولون: تجب الكفارة فيما إذا أفطر بالإنزال من مباشرة أو تقبيل أو ما أشبه ذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد، ولكنها ضعيفة.
القول الثاني: أنه إذا قصد انتهاك حرمة رمضان، فإنه يلزمه القضاء والكفارة؛ لأن هذا لم يقصد مجرد الفطر، بل قصد انتهاك الحرمة، وهذا ضعيف أيضًا.
القول الثالث: أن الكفارة لازمة بالأكل والشرب إن كان للغذاء أو للدواء، بخلاف الأكل والشرب الذي ليس للدواء ولا للغذاء، فإنه يفطر لكن ليس فيه كفارة.

وكل هذه أقوال مبنية على آراء ليس لها أصل لا من الكتاب ولا من السنة، والصواب أن الكفارة لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان؛ لأن الكفارة لم ترد إلا في هذه الحال، والأصل براءة الذمة وعدم الوجوب، فنقتصر على ما جاء به النص فقط.
وظاهره أن الكفارة تجب بالجماع، وإن لم يحصل إنزال، وهو كذلك؛ لأن الكفارة مرتبة على الجماع؛ لقوله في حديث الأعرابي: "وقعت على امرأتي" فجعل العلة الوقاع، ولم يذكر الإنزال.

مسألتان
الأولى: قال في "الروض": "والنزع جماع": أي لو كان الرجل يجامع زوجته في آخر الليل، ثم أذن مؤذن، وهو ممن يؤذن على طلوع الفجر، فنزع في الحال، فإنه يترتب عليه ما يترتب على الجماع من القضاء والكفارة، وهذا من غرائب العلم؛ فكيف يكون الفارُّ من الشيء كالواقع فيه؟!! ولهذا كان القول الراجح أنه ليس جماعًا بل توبة، وأنه لا يفسد الصوم وليس عليه كفارة.

الثانية: وقال في "الروض" أيضًا: "والإنزال بالمساحقة كالجماع". والمساحقة تكون بين المرأتين، فلو أنزلتا فليس عليهما إلا القضاء، ولا كفارة، وإن أنزلت إحداهما فعليها القضاء فقط دون الكفارة، هذا على الصحيح.
وَهْيَ عِتْقُ رَقْبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِيِّنَ مِسْكِينًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَقَطَتْ.

قوله: "وهي" أي: كفَّارة الوطء في نهار رمضان.

قوله: "عتق رقبة" أي: فكّها من الرّق، ووجه المناسبة هو أنّ هذا الرجل لمَّا جامع في نهار رمضان مع وجوب الصوم عليه، استحقّ أن يعاقب ففدى نفسه بعتق الرقبة.

قوله: "فإن لم يجد" يعني إن لم يجد رقبة، أو لم يجد ثمنها.

قوله: "فصيام شهرين متتابعين": "فصيام" الفاء رابطة للجواب، وصيام مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير فعليه صيام شهرين متتابعين بدلاً عن عتقه الرقبة.

قوله: "فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا" أي: فعليه إطعام ستين مسكينًا، والمسكين هنا يشمل الفقير والمسكين؛ لأن الفقير والمسكين إذا ذكرا جميعًا كان الفقير أشد حاجة، وإذا أفرد أحدهما عن الآخر صارا بمعنى واحد، فإذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.

ودليل ذلك أنّ النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال للرجل الذي قال إنّه أتى أهله في رمضان: ((اعتق رقبة))، فقال: "لا أجد". قال: ((صم شهرين متتابعين)). فقال: "لا أستطيع". قال: ((أطعم ستين مسكينًا)). قال: "لا أجد"[34] فجعلها النبي - صلّى الله عليه وسلّم - مرتبةً، وهذه أغلظ الكفّارات، ويساويها كفّارة الظهار، الذي وصفه الله بأنّه منكر من القول وزور، ويليها كفّارة القتل؛ لأن القتل ليس فيه إلاّ خصلتان، العتق والصيام، وليس فيه إطعام.

وقوله: "صيام شهرين متتابعين" هل المعتبر الأهلّة، أو المعتبر الأهلّة في شهر كامل، والأيام في الشهر المجَزَّأ؟
في هذا قولان للعلماء، والصحيح أن المعتبر الأهلّة؛ سواء في الشهر الكامل، أو في الشهر المجَزَّأ.

فإن قيل: ما الفرق بين القولين؟
فالجواب: يظهر ذلك بالمثال، فإذا ابتدأ الإنسان هذين الشهرين من أول ليلة ثبت فيها الشهر - ولنقل إنّه شهر جُمادى الأولى - ابتدأه من أول يوم منه فيختمه في آخر يوم من شهر جمادى الآخرة، ولنفرض أن جُمادى الأولى تسعة وعشرون يومًا، وكذلك جمادى الآخرة - فيكون صومه ثمانية وخمسين يومًا، وهذا لا شك أنّه يعتبر بالهلال.
لكن إذا ابتدأ الصوم من نصف شهر جمادى الأولى فجمادى الآخرة معتبرة بالهلال لأنّه سوف يدرك أوّل الشهر وآخر الشهر فيعتبر بالهلال يقينًا.

أما الشهر الثاني الذي ابتدأهُ بالخامس عشر من جُمادى الأولى فيكمله ثلاثين يومًا، ويكون آخر صومه اليوم الخامس عشر من رجب على القول الثاني الذي يعتبر الشهر المجزأ ثلاثين يومًا، أمّا على القول الراجح الذي يعتبر الأهلّة مطلقًا: فإنّ آخر أيام صومه هو الرابع عشر من شهر رجب، إذا كان شهر جمادى الأولى تسعة وعشرين يومًا؛ فإذا قدرنا أن شهر جمادى الأولى ناقص، وكذلك شهر جمادى الثانية فيكون صومه ثمانية وخمسين يومًا.

وقوله: "متتابعين" أي: يتبع بعضهما بعضًا بحيث لا يفطر بينهما يومًا واحدًا، إلاّ لعذر شرعيّ كالحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، وكالعيدين وأيام التشريق، أو حسّي كالمرض والسفر للرجل والمرأة بشرط ألا يسافر لأجل أن يفطر، فإن سافر ليفطر انقطع التتابع.

وقول المؤلف: "فإطعام ستين مسكينًا": هنا قدّر الطاعم دون المُطعم، فهل المطعم مقدّر؟
المشهور من المذهب أنّه مُقدّر، وهو مدٌّ من البُرِّ أو نصف صاع من غيره لكل مسكين، والمد ربع الصاع، أعني صاع النبي - صلّى الله عليه وسلّم -، وعلى هذا فتكون الأصواع لستين مسكينًا خمسة عشر صاعًا بصاع النبي - صلّى الله عليه وسلّم - من البُرِّ، وصاع النبي - صلّى الله عليه وسلّم - ينقص عن الصاع المعروف الآن هنا في القصيم الخُمس، وعلى هذا يكون الصاع في القصيم خمسة أمداد، ويكون إطعام ستين مسكينًا اثني عشر صاعًا بأصواع القصيم.

وقيل: بل يطعم نصف الصاع من البُر أو غيره، واحتج هؤلاء بأن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال لكعب بن عجرة - رضي الله عنه - حين حلق رأسه في العمرة، قال: ((أطعم ستّة مساكين، لكل مسكين نصف صاع))[35] وأطلق، ولم يقل من التمر أو من البُر، وهذا يقتضي أن يكون المقدر نصف الصاع، وإذا كان كذلك فزد على ما قلنا النصف، فيكون بالنسبة لصاع النبي - صلّى الله عليه وسلّم - ثلاثين صاعًا، وبالنسبة لصاعنا أربعة وعشرين صاعًا.
والأمر في هذا قريب، فلو أن الإنسان احتاط، وأطعم لكل مسكين نصف صاع لكان حسنًا.

وقيل: إنه لا يتقدر بل يطعم بما يعد إطعامًا، فلو أنه جمعهم وغداهم أو عشاهم أجزأ ذلك؛ لأن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال للرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان: ((هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا))[36]؟ وهذا هو الصحيح.

مسألة: الطعام والمُطْعَم ينقسم في الشرع إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما قُدر فيها الطعام دون المطعَم.
الثاني: ما قدر فيها المطعَم دون الطعام.
الثالث: ما قدر فيها الطعام والمطعَم.

مثال الأول: زكاة الفطر فإنها صاع من طعام، تعطى لواحد أو اثنين، أو تجمع صاعين أو ثلاثة لواحد، لا مانع.
مثال الثاني: هذه المسألة ومثل كفارة اليمين.
مثال الثالث: مثل فدية الأذى، كحلق الرأس في الإحرام، قال تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]. وانظر إلى الآية يقول الله: {صَدَقَةٍ} لم يقل أو إطعام وبيَّنها الرسول - صلّى الله عليه وسلّم - فقال لكعب بن عجرة: ((تطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع))[37]، والمشهور من المذهب يقولون إن الإطعامات المطلقة تحمل على هذا المقيد، فكل إطعام لا بد أن يكون نصف صاع، لكن يقال لهم: أنتم تقولون نصف صاع من غير البُر، ومدٌّ من البُر، مع أن حديث كعب بن عجرة نصف صاع مطلقًا، فأنتم الآن قستم ولا قستم، والصواب أن ما لم يُقيد يكفي فيه الإطعام.

قوله: "فإن لم يجد سقطت" أي: الكفّارة، ودليل ذلك من الكتاب، والسنّة، أمّا من الكتاب فقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]، وهذا الرجل الفقير ليس عنده شيءٌ فلا يكلَّف إلا ما آتاه الله، والله - عزّ وجل - بحكمته لم يؤته شيئًا. ودليل آخر قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. ودليلٌ ثالثٌ العموم، عموم القاعدة الشرعيّة، وهي أنّه "لا واجب مع عجزٍ"؛ فالواجبات تسقط بالعجز عنها، وهذا الرجل الذي جامع لا يستطيع عتق الرقبة ولا الصيام ولا الإطعام، نقول إذًا لا شيء عليك وبرئت ذمّتك.

فإن أغناه الله في المستقبل فهل يلزمه أن يكفِّر أو لا؟
فالجواب: لا يلزمه لأنها سقطت عنه، وكما أنّ الفقير لو أغناه الله لم يلزمه أن يؤدي الزكاة عمّا مضى من سنواته لأنّه فقير، فكذلك هذا الذي لم يجد الكفارة إذا أغناه الله تعالى لم يجب عليه قضاؤها.
أمّا الدليل من السنّة فهو أن الرجل لمّا قال: "لا أستطيع أن أطعم ستين مسكينًا" لم يقل النبي - صلّى الله عليه وسلّم - أطعمهم متى استطعت، بل أمره أن يطعم حين وجد، فقال: ((خذ هذا تصدّق به)). فقال: "أعلى أفقر مني يا رسول الله"؟!... فقال: ((أطعمه أهلك))، ولم يقل: والكفارة واجبة في ذمتك، فدل هذا على أنها تسقط بالعجز.

وقال بعض العلماء: إنها لا تسقط بالعجز، واستدلوا بالحديث، قالوا: لأن الرجل قال: "لا أجد" فلمّا جاء النبيَّ - صلّى الله عليه وسلّم - التمرُ، قال: ((خذ هذا تصدّق به)) ولو كانت ساقطة بالعجز لم يقل ((خذ هذا تصدّق به)).

فيقال: الجواب: إِنَّ هذا وجده في الحال، يعني وجده في المجلس الذي أفتاه النبي - صلّى الله عليه وسلّم - به، فكان كالواجد قبل ذلك، ولهذا لمّا قال: ((أطعمه أهلك)) لم يقل: وعليك كفّارة إذا اغتنيت.

والقول الراجح أنّها تسقط، وهكذا أيضًا نقول في جميع الكفارات، إذا لم يكن قادرًا عليها حين وجوبها؛ فإنها تسقط عنه، إمّا بالقياس على كفارة الوطء في رمضان، وإما لدخولها في عموم قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]. وما أشبه ذلك.
وعلى هذا فكفّارة الوطء في الحيض إذا قلنا: إن الوطء في الحيض يوجب الكفّارة، فإنّها تسقط. وفدية الأذى إذا لم يجد ولم يستطع الصوم تسقط، وهكذا جميع الكفارات، بناءً على ما استدللنا به لهذه المسألة، وبناءً على القاعدة العامة الأصوليّة التي اتفق عليها الفقهاء في الجملة، وهي أنّه "لا واجب مع عجز".

والغريب أن بعض العلماء سلك مسلكًا غريبًا وقال: إن الرسول - صلّى الله عليه وسلّم - قال له: ((أطعمه أهلك)) أي: كفارة، لا أنه دفعٌ لحاجتهم، وهذا ليس بصواب لأمرين:
أولاً: أنه لا يمكن أن يكون الرجل مصرفًا لكفارته كما لا يكون مصرفًا لزكاته، أرأيت لو أن شخصًا عنده دراهم تجب فيها الزكاة، وهو مدين فإنه لا يصرف زكاته في دينه، وهذا أيضًا لا يمكن أن يصرف كفارته لنفسه.

ثانيًا: أن الكفارة إطعام ستين مسكينًا، وهذا الرجل - الذي يظهر والله أعلم - أنه ليس عنده إلا زوجته أو ولد أو ولدان أو أكثر، ولو كانت كفارة لقال له النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: هل عندك ستون شخصًا تعولهم؛ حتى يثبت الأمر. فهذا المسلك مسلك ضعيف.

والمذهب لا يسقط من الكفّارات بالعجز إلاّ اثنتين: كفّارة الوطء في الحيض، وكفّارة الوطء في رمضان، وباقي الكفارات لا تسقط بالعجز بل تبقى في ذمته؛ لأن الدَّيْن لا يسقط بالعجز عنه. أرأيت لو أن شخصًا يطلبك دراهم وعجزت، فلا يسقط دينه بل يبقى في ذمتك، والنبي - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: ((دين الله أحق بالقضاء))[38].

مسألة: كلما جاءت الرقبة مطلقة فلا بد من شرط الإيمان؛ لأن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - لما جاء معاوية بن الحكم يستفتيه في جارية، غضب عليها ولطمها، فأراد أن يعتقها، فدعاها الرسول - صلّى الله عليه وسلّم - وقال: ((أين الله))؟ فقالت: "في السماء"، فقال: ((اعتقها فإنها مؤمنة))[39]؛ ولأن إعتاق الكافرة قد يستلزم ذهابها إلى الكفار؛ لأنها تحررت فتذهب إلى بلاد الكفر، ولا يرجى لها إسلام.

مسألة: اشتراط سلامة الرقبة من العيوب فيه خلاف:
فقيل بالاشتراط، وقيل: لا نشترط سوى ما اشترط الله وهو: الإيمان، واستدل من قال بالاشتراط، أن إعتاق المعيب عيبًا يخل بالعمل خللاً بينًا؛ فإن إعتاقه يكون به عالة على غيره، وعدم إعتاقه أحسن له.

والمسألة تحتاج لتحرير، لكن الذي يظهر لي أنه لا يشترط.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــ
[1] أخرجه أبو داود في الطهارة: باب في الاستنثار (142)، والنسائي في الطهارة: باب المبالغة في الاستنشاق (1/66)، والترمذي في الصوم: باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (788)، وصححه ابن خزيمة (150)، وابن حبان (1087).
[2] "الإنصاف" (3/299).
[3] "حقيقة الصيام"، ص(37).
[4] أخرجه أحمد (2/498)؛ وأبو داود في الصيام: باب الصائم يتقيء عمدًا (2380)؛ والترمذي في الصوم: باب ما جاء فيمن استقاء عمدًا (720)؛ وابن ماجه في الصيام: باب ما جاء في الصائم يقيء (1676)؛ والنسائي في "الكبرى" (3117)؛ وصححه ابن خزيمة (1960)؛ وابن حبان (3518)؛ والحاكم (1/427)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[5] "المحلى" (6/203).
[6] أخرجه البخاري في الصوم: باب فضل الصوم (1894)؛ ومسلم في الصيام: باب حفظ اللسان للصائم (1151) (164) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[7] أخرجه مسلم في الزكاة: باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (1006) عن أبي ذر رضي الله عنه.
[8] أخرجه البخاري في العلم: باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال (132)، ومسلم في الحيض: باب المذي (303) عن علي رضي الله عنه.
[9] أخرجه الإمام أحمد (5/351)؛ وأبو داود في النكاح: باب في ما يؤمر به من غض البصر (2149)؛ والترمذي في الأدب: باب ما جاء في نظرة الفجاءة (2777)؛ والحاكم (2/194)، عن بريدة - رضي الله عنه - ولفظه: ((وليست لك الآخرة)). وقال الترمذي: "حسن غريب"، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في "غاية المرام" (183).
[10] أخرجه البخاري في العتق: باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه (2528)؛ ومسلم في الإيمان: باب إذا هم العبد بحسنة (127) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[11] أخرجه البخاري في الصوم: باب الحجامة والقيء للصائم (1938).
[12] أخرجه البخاري في الصوم: باب الحجامة والقيء للصائم (1940).
[13] أخرجه أحمد (4:123)؛ وأبو داود في الصيام: باب في الصائم يحتجم (2368)؛ والنسائي في "السنن الكبرى" (3126) ط:الرسالة؛ وابن ماجه في الصيام: باب ما جاء في الحجامة للصائم (1681)؛ وصححه ابن حبان (3533)؛ والحاكم (1:428).
وقال عبدالله بن أحمد في مسائله (682): "سمعت أبي يقول: هذا من أصح حديث يروى عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - في إفطار الحاجم والمحجوم".
ونقل الحاكم عن إسحاق بن راهويه تصحيحه، وصححه علي بن المديني والبخاري كما في "التلخيص" للحافظ (2:193).
وقال النووي في "شرح المهذب" (6:350): "على شرط مسلم". وانظر في طرق هذا الحديث "السنن الكبرى" للنسائي.
[14] "المبدع" (3:16).
[15] سبق تخريجه ص(287).
[16] "حقيقة الصيام" ص(81 - 84).
[17] وللإمام أحمد مفردات منظومة شرحها الشيخ منصور البهوتي، وهي مفيدة.
[18] أخرجه ابن ماجه في الطلاق: باب طلاق المكره والناسي (2043) عن أبي ذر - رضي الله عنه - ولفظه: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي...))؛ وأخرجه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - (2045) ولفظه: ((إن الله وضع عن أمتي...)) وصححه ابن حبان (7219)، وصححه الحاكم (2:198) على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
[19] أخرجه البخاري في الصوم: باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا (1933)؛ ومسلم في الصيام: باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر (1155).
[20] أخرجه البخاري في الأذان: باب التشهد في الآخرة (831) ومسلم في الصلاة: باب التشهد في الصلاة (402) عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
[21] وقد تقدم الكلام على هذا الشرط عند قول المؤلف: "عامدًا".
[22] أخرجه البخاري في التفسير: باب {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] (4509)؛ ومسلم في الصيام: باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر (1090) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه.
[23] سبق تخريجه ص(333).
[24] سبق تخريجه ص(377).
[25] أخرجه أحمد (2:180)؛ وأبو داود في الطهارة: باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا (135)؛ والنسائي في الطهارة: باب الاعتداء في الوضوء (1:88)؛ وابن ماجه في الطهارة: باب ما جاء في القصد من الوضوء وكراهية التعدي (422)؛ وصححه ابن خزيمة (174)؛ وصححه الحافظ في "التلخيص" (82).
[26] سبق تخريجه ص (333).
[27] أخرجه البخاري في الصوم: باب متى يحل فطر الصائم (1954)؛ ومسلم في الصيام: باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار(1100) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[28] سبق تخريجه ص(333).
[29] أخرجه البخاري في الصوم: باب إذا جامع في رمضان، ولم يكن له شيء، فتصدق عليه، فليكفر (1936)؛ ومسلم في الصيام: باب تحريم الجماع في شهر رمضان... (1111).
[30] أخرجه البخاري في البيوع: باب من أجرى الأمصار على ما يتعارفون بينهم... (2211)؛ ومسلم في الأقضية: باب قضية هند (1714) عن عائشة رضي الله عنها.
[31] سبق تخريجه ص (402).
[32] سبق تخريجه ص (303).
[33] أخرجه ابن أبي شيبة (3:54).
[34] سبق تخريجه ص (402).
[35] سبق تخريجه ص (185).
[36] سبق تخريجه ص (402).
[37] سبق تخريجه ص (185).
[38] سبق تخريجه ص (46).
[39] أخرجه مسلم في المساجد: باب تحريم الكلام في الصلاة (537).
: الناس الذين على الجبال أو في السهول والعمارات الشاهقة، كلٌ منهم له حكمه، فمن غابت عنه الشمس حلَّ له الفطر، ومن لا فلا.



سكوتي كلآآم غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
رسالة لكل زوار منتديات العبير

عزيزي الزائر أتمنى انك استفدت من الموضوع و لكن من اجل منتدى ارقي و ارقي برجاء عدم نقل الموضوع و يمكنك التسجيل معنا و المشاركة معنا و النقاش في كافه المواضيع الجاده اذا رغبت في ذلك فانا لا ادعوك للتسجيل بل ادعوك للإبداع معنا . للتسجيل اضغظ هنا .

قديم 07-06-2008, 07:18 PM   #2


 رقم العضوية :  12507
 تاريخ التسجيل :  30-05-2008
 المشاركات :  170
 الجـنـس :  ذكر
 عدد النقاط :  10
 قوة التقييم :  اكتفيت بدنيتي is on a distinguished road
 اخر مواضيع » اكتفيت بدنيتي
 تفاصيل مشاركات » اكتفيت بدنيتي
 أوسمة و جوائز » اكتفيت بدنيتي
 معلومات الاتصال بـ اكتفيت بدنيتي

افتراضي


تسلم يالغالي

تقبل مروري

اكتفيت بدنيتي غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
قديم 18-06-2008, 08:50 AM   #3


 رقم العضوية :  1926
 تاريخ التسجيل :  11-12-2006
 المشاركات :  6,658
 الجـنـس :  أنثى
 عدد النقاط :  13
 قوة التقييم :  عبير is on a distinguished road
 اخر مواضيع » عبير
 تفاصيل مشاركات » عبير
 أوسمة و جوائز » عبير
 معلومات الاتصال بـ عبير

افتراضي


سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم


جزاك الله خير

عبير غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
قديم 18-06-2008, 04:46 PM   #4
{هوآآهـآـآ نجدآآويღ


 رقم العضوية :  10996
 تاريخ التسجيل :  20-04-2008
 المشاركات :  11,495
 الدولة :  ّجنة الخلد باذن الله ّّّّ
 الجـنـس :  أنثى
 عدد النقاط :  2874
 قوة التقييم :  لحن نجد has much to be proud ofلحن نجد has much to be proud ofلحن نجد has much to be proud ofلحن نجد has much to be proud ofلحن نجد has much to be proud ofلحن نجد has much to be proud ofلحن نجد has much to be proud ofلحن نجد has much to be proud ofلحن نجد has much to be proud ofلحن نجد has much to be proud ofلحن نجد has much to be proud of
 SMS :

.(( ربنا أغفر لنا ولإخوننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ))

 اخر مواضيع » لحن نجد
 تفاصيل مشاركات » لحن نجد
 أوسمة و جوائز » لحن نجد
 معلومات الاتصال بـ لحن نجد

افتراضي


جزاك الله خير

لحن نجد غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
قديم 18-06-2008, 05:20 PM   #5


 تاريخ التسجيل :  17-06-2008
 المشاركات :  1
 عدد النقاط :  10
 قوة التقييم :  الحنونة is on a distinguished road
 اخر مواضيع » الحنونة
 تفاصيل مشاركات » الحنونة
 أوسمة و جوائز » الحنونة
 معلومات الاتصال بـ الحنونة


جزاك الله خيرا وجعلنا واياك من اهل الجنة

الحنونة غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
قديم 19-06-2008, 06:28 AM   #6


 رقم العضوية :  7929
 تاريخ التسجيل :  14-12-2007
 المشاركات :  285
 الدولة :  ksa
 الجـنـس :  أنثى
 عدد النقاط :  10
 قوة التقييم :  سهام الحب is on a distinguished road
 اخر مواضيع » سهام الحب
 تفاصيل مشاركات » سهام الحب
 أوسمة و جوائز » سهام الحب
 معلومات الاتصال بـ سهام الحب

افتراضي


مشكورو

سهام الحب غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
قديم 20-06-2008, 07:58 AM   #7


 رقم العضوية :  1
 تاريخ التسجيل :  22-07-2004
 المشاركات :  76,159
 الدولة :  ムレ3乃乇乇尺
 الجـنـس :  ذكر
 العمر :  42
 عدد النقاط :  251196
 قوة التقييم :  عبد الله الساهر تم تعطيل التقييم
 SMS :

حتى لو اجتهدت و قطعت فؤادك.. ووضعته للناس في طبق فضي ليرضوا عنك لن تفلح وربما لن تصل لمستوى يرضيك أنت عن نفسك فاجتهد ليكون الله وحده راضياً عنك وأغمض عينيك عن ما سواه

 اخر مواضيع » عبد الله الساهر
 تفاصيل مشاركات » عبد الله الساهر
 أوسمة و جوائز » عبد الله الساهر
 معلومات الاتصال بـ عبد الله الساهر

افتراضي


اسأل الله ان يجزيك ووالديك الفردوس الأعلى

عبد الله الساهر غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
قديم 31-07-2008, 09:18 AM   #8
عضوة مميزة


 رقم العضوية :  11214
 تاريخ التسجيل :  01-05-2008
 المشاركات :  1,263
 الجـنـس :  أنثى
 عدد النقاط :  10
 قوة التقييم :  امورة is on a distinguished road
 اخر مواضيع » امورة
 تفاصيل مشاركات » امورة
 أوسمة و جوائز » امورة
 معلومات الاتصال بـ امورة

افتراضي


جزيت خير

امورة غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
قديم 07-08-2008, 05:25 AM   #9
عضوة مميزة


 رقم العضوية :  12157
 تاريخ التسجيل :  25-05-2008
 المشاركات :  2,743
 الجـنـس :  أنثى
 عدد النقاط :  21
 قوة التقييم :  سائر الليل is on a distinguished road
 اخر مواضيع » سائر الليل
 تفاصيل مشاركات » سائر الليل
 أوسمة و جوائز » سائر الليل
 معلومات الاتصال بـ سائر الليل

افتراضي


الله يجزيك خير

سائر الليل غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
قديم 21-08-2008, 11:23 AM   #10
عضو تم طرده


 رقم العضوية :  10184
 تاريخ التسجيل :  18-03-2008
 المشاركات :  5,120
 الجـنـس :  ذكر
 عدد النقاط :  -136
 قوة التقييم :  خالد الخالد is infamous around these partsخالد الخالد is infamous around these parts
 اخر مواضيع » خالد الخالد
 تفاصيل مشاركات » خالد الخالد
 أوسمة و جوائز » خالد الخالد
 معلومات الاتصال بـ خالد الخالد

افتراضي


مشكور

خالد الخالد غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستنقع" (5) سكوتي كلآآم مجالسُ الدعوةِ إلى الله حُجةٌ وتاجٌ من نور 10 25-08-2008 02:47 PM
شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستقنع" (3) سكوتي كلآآم مجالسُ الدعوةِ إلى الله حُجةٌ وتاجٌ من نور 10 21-08-2008 11:58 AM
شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستقنع" (4) سكوتي كلآآم مجالسُ الدعوةِ إلى الله حُجةٌ وتاجٌ من نور 10 21-08-2008 11:53 AM
شرح كتاب الصيام من الشرح الممتع على "زاد المستنقع" (1) سكوتي كلآآم مجالسُ الدعوةِ إلى الله حُجةٌ وتاجٌ من نور 15 21-08-2008 11:21 AM
سبعون مسألة في الصيام عبد الله الساهر مجالسُ الدعوةِ إلى الله حُجةٌ وتاجٌ من نور 11 12-05-2007 05:54 PM


الساعة الآن 07:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لـ : منتديات العبير
المحتوى المنشور فى موقع العبير لايعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة وإنما يعبر عن وجهة نظر كاتبها