مجلس مرافئ ساكنة حروف تتساقط لتروي خضار قلوبكم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-11-2023, 07:49 AM   #1
عضو مبدع

الصورة الرمزية مُبهِرة

 رقم العضوية :  140614
 تاريخ التسجيل :  05-11-2023
 المشاركات :  582
 الجـنـس :  أنثى
 عدد النقاط :  10
 قوة التقييم :  مُبهِرة is on a distinguished road
 اخر مواضيع » مُبهِرة
 تفاصيل مشاركات » مُبهِرة
 أوسمة و جوائز » مُبهِرة
 معلومات الاتصال بـ مُبهِرة

افتراضي العبث بالذائقة الأدبية


العبث بالذائقة الأدبية


أ. د. علي بن إبراهيم النملة

العَبَث بالذائقة الأدبية


من العبث في الفن (الرسم والأعمال الفنية) إلى العبَث في الأدب، شعره ونثره؛ إذ تتناثر علينا في الصحافة اليومية وفي بعض الدوريات الأدبيَّة قطع نثرية وشعرية، وقطع أخرى لا هي نثرية بحتة، ولا شعرية بحتة، يزعم أصحابُها أنها من الأدب الراقي، الذي يحتاج من قارئه إلى مزيد من التأمُّل، والتذاكي، وادِّعاء المعرفة بالأدب بمذاهبه ومساربه، بما في ذلك تلك الرموز والطلاسم، واستخدام المتناقضات من الكلمات والتعبيرات، فيجعلون القارئ في حيرةٍ من أمره، وكما قلتُ في الوقفة السابقة: إن لم يفهم القارئ ما يقال، اتُّهم في ذائقته الأدبية، وحينما قيل لأحدهم: لمَ لا تقول ما يُفهم؟ ردَّ قائلًا: لمَ لا تفهم ما يقال؟!



أظن أنَّ في هذا المجال الكثير من القول الذي لا يُفهم، سواء أَسُمِّيَ باسم شائع - كالحداثة - توسُّعًا في الإطلاق، أم لم يُسمَّ باسم شائع، واكتُفي له بإطلاق الأدب الرمزي، وهو ليس من الرمز في شيء، وربَّما أطلق عليه الأدب الطلاسمي، واقتصر روَّاده على أولئك القرَّاء الذين يبحثون عن الغموض في التعبير الدالِّ على الغموض في الفكرة.



لعلِّي أذهب أبعد من ذلك لأزعم أنَّ الأمرَ ليس غموضًا في الفكرة أدَّى إلى غموض في التعبير، بل إنَّه تغامُض في التعبير مع وضوح الفكرة، أدَّى إليه - إلى هذا التغامُض - الإصرار على العبث في التعبير.



إذا كانت مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن المستفيد من العبَث في الأدب هم مجموعة من الذين نصَّبوا أنفسهم نقَّادًا، وهم ليسوا بالضرورة نقَّادًا، فنقدوا هذا العبث الأدبي بالعبث النقدي، وأعطوا العابثين من المكانة الأدبية ومن التأويل والتفسير للطلاسم ما لم يفكِّر به أولئك العابثون؛ ذلك لأنَّهم تركوا مجال التأويل والتفسير مفتوحًا للمتلقِّين والنقَّاد، فدخل المتلقُّون والنقَّاد في مقاصد الكتَّاب، وكلٌّ فهم هذه الطلاسم فهمًا مختلفًا عن الآخر، إنْ لم يكن مغايرًا له، وتذاكى بعض المتلقِّين والقرَّاء، وادَّعوا أنَّهم يفهمون ما يقال، ودخلوا في المقاصد والنوايا والمراد، دون وضوحه في النصِّ[1].



لست أتحدَّث هنا عن بعض القطع النَّثرية الوجدانية التي يبثُّها كتَّاب تعوَّدوا عليها، وعوَّدوا غيرهم عليها، وهي لا تفيد كثيرًا سوى تنمية الملَكَة الأدبية، والرفع من شأن الذائقة؛ أي: الذوق الأدبي، لكنها لا تقدِّم معلومة جديدة، ولا تضيف ثقافة إلى ثقافة قارئها سوى ذلك، هذه الوجدانيات فنٌّ من فنون الأدب معروفة لدى الفرسان من النقَّاد.



الذي أرمي إليه - في مسألة العبث في الأدب - هو ذلك الذي يشكِّك في فهم المتلقِّي، فيبحث عن فهم له، وكأنَّه من تلك الألغاز التي تُتداول حول لهيب النار في ليلة من ليالي السمَر، يرفِّهُ فيها الناس عن أنفسهم، والقارئ لهذه الطلاسم لا يقرأ ليبحث عمَّا وراء السطور، ولكنه يقرأ ليستفيد، فيُصاب بخيبة أمل من جرَّاء إنفاق الوقت فيما لا يفيد، سوى توسيع مداركه الوجدانية.



لا يُشكُّ في أنَّ بعض الكتَّاب يرغب في الشهرة، أو التميُّز، أو البروز، أو الخروج عن المألوف فيما يكتب، وقد يصل ذلك إلى مظهره ليدلَّ على مخبره، ولكن ذلك كله لا يسوِّغ له العبثَ بمشاعر المتلقِّين وأحاسيسهم، وإن كان هو يعيش حالًا من القلق وعدم الاستقرار الذِّهني والفكري والثقافي، أو يوحي لآخرين بذلك، وله منَّا أنْ نسأل الله لنا وله الاستقرار في أذهاننا وأفكارنا وثقافتنا، لنوفَّق - حينئذٍ - في أنْ نقول ما يُفهم.



موضوع الحداثة قد أخذ أبعادًا عدَّة، وكتب فيه كثيرون من الطرفين؛ الراغب فيه والراغب عنه، وجُعلَت الحداثة ضدًّا حتميًّا للتراث[2]، وأدخل الدين في التراث، والدين ليس من التراث - بالمفهوم الشائع للتراث - وأصبحنا نقرأ عن الأصالة والمعاصرة، وكأنَّها ثنائيَّة متناقضة تمامًا، ولا تجتمع في حال واحدة؛ فإمَّا أن تكون تراثيًّا أو تكون حداثيًّا، وإمَّا أنْ تكونَ عصرانيًّا أو تكونَ رجعيًّا، وإمَّا أنْ تكون مستقبليًّا أو تكون ماضويًّا، ثنائية يبدو أنها مبتدعة في مسألة الجمع بينها، واستحالة ذلك[3].



صدر - فيما صدر - في هذا المجال كتابٌ عن سلسلة معالم الحداثة، التي يديرها الأستاذ الدكتور عبدالمجيد الشرفي، واسم الكتاب: الإسلام والحداثة؛ لصاحب السلسلة نفسه، الأستاذ عبدالمجيد الشرفي[4]، وأصل الكتاب دروس أُلقيَت على طلبة أحد المعاهد التونسية، منذ سنة 1407هـ/ 1987م، والطرح في هذا الكتاب أوجد فجوةً بين الإسلام والحداثة، وكأنَّ الإسلامَ ضدُّ الحداثة، وكأن الحداثة - بالتالي - ضدُّ الإسلام[5]؛ بحيث يدعو المؤلِّف إلى أسلَمة الحداثة، أو تحديث الإسلام!



أسلَمة الحداثة أمرٌ ممكنٌ، فيما يظهر[6]، أمَّا تحديث الإسلام بالمفهوم الحداثي، الذي استُورد من الآخر، فهي دعوة استشراقية قديمة، سعت إلى تطوير الإسلام، لا التجديد له بظهور مجدِّدين له بين فينة وأخرى، على ما هو معلوم في تاريخ الإسلام والمسلمين، إلَّا أنَّ عبدالمجيد الشرفي يؤكِّد "أنَّ الإسلام لا يستطيع البقاء بمعزل عن التيَّارات الفكرية والفلسفية الحديثة؛ مثلما أنَّ المشاغل العملية التي ميَّزَت الفكر العربي الإسلامي الحديث لا بُدَّ لها أنْ تنضج في المستوى التنظيري، وتؤول إلى عملية تأليفية حيَّة متجدِّدة بين القيم الدينية ومستحدثات العصر"[7].



إذا كان المتلقِّي يدرِك دوافع المستشرقين في "تحديث الإسلام" أو تطويره، فإنه يخشى أنْ يصل إلى نتيجة أنَّ هذه الأفكار التي دعا إليها هؤلاء المستشرقون لاقَت آذانًا مُصغية من لدن بعض مفكِّري المسلمين، مع اختلاف في الدوافع والأهداف[8]، ومنها ما قام على الانبهار بالدعوة إلى تطوير الدين، الذي نؤمن نحن المسلمين أنه كَمُلَ تامًّا في أصوله، لا كما يوحي حديث الأستاذ: عبدالمجيد الشرفي في مسألة تحديث الإسلام، التي ركَّز فيها على مشكلة الحكم وقضية المرأة، ليختم المؤلِّف كتابَه بالدعوة إلى أنَّه "فيما يخصُّنا، فكما أنَّ نواميس الحياة تقتضي منَّا التكيُّف مع الضغوط التاريخية الأليمة التي نمرُّ بها، فإنَّنا لا ينبغي أنْ ننتظر (ما بعد الحداثة) علَّه يوفِّر لنا مخرجًا؛ إذ ما بعد الحداثة ليس إلا مغالاة فيها"[9].



من حقِّ كلِّ الناس الكتابة عن هذا الموضوع العميق، إلا أنَّ هذا الحقَّ يقتضي أنْ يكون المتحدِّث عن هذا الموضوع مطَّلعًا على قدرٍ كافٍ من ثقافته وطروحاته؛ بحيث يتمكَّن من استخدام الميزان استخدامًا مقنعًا للمتلقِّي، وإذا أمكن أن يكون الطرح موضوعيًّا كان ذلك أدعى إلى النظرة التخصُّصية، وهذا التوجُّه يُكتب أكثر مما يُطبَّق.



إنَّما ضُربَ مثلٌ بموضوع الحداثة؛ لأنَّها كانت حاضرة في الذهن من خلال الاطِّلاع على كتاب الأستاذ: عبدالمجيد شرفي، وما في حكمه من الإسهامات التي تتحدَّث عن الحداثة بوصفها مذهبًا فكريًّا، أكثر من كونها أسلوبًا أدبيًّا، والأمر يَصدق على موضوعات أخرى كثيرة؛ بعضها آني، وبعضها مستمرٌّ، بعضها قديم، وبعضها مستحدث، بعضها سياسي، وبعضها اجتماعي...، وهكذا.


[1] انظر: المناظرة حول الحداثة وما بعد الحداثة بين كل من: عبدالوهَّاب المسيري وفتحي التريكي؛ الحداثة وما بعد الحداثة - دمشق: دار الفكر، 1424هـ/ 2003م - 368 ص؛ سلسلة حوارات لقرن جديد.

[2] انظر مثلًا: عوض القرني: الحداثة في ميزان الإسلام - القاهرة: دار هجر، 1408هـ/ 1988م، وقد لقي هذا الكتاب ردود فعل متفاوتة؛ بين مادح وقادِح، إلى درجة التشكيك في انفراد المؤلِّف بإعداد الكتاب.

[3] انظر في مناقشة هذه الثنائية: أكرم ضياء العُمَري: التراث والمعاصرة - مرجع سابق - 141 ص.

[4] عبدالمجيد الشرفي: الإسلام والحداثة - تونس: دار الجنوب، 1998م - 230 ص.

[5] عبدالإله بلقزيز، محاور: الإسلام والحداثة والاجتماع السياسي: حوارات فكرية - بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2004هـ - 147 ص.

[6] انظر مثلًا: عبدالله محمَّد الغذَّامي: حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية - ط 2 - الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2004م - 304 ص.

[7] عبدالمجيد الشرفي: الإسلام والحداثة - مرجع سابق - ص (180).

[8] انظر: مصطفى الشريف: الإسلام والحداثة: هل يكون غدًا عالم عربي؟ القاهرة: دار الشروق، 1914هـ/ 1999م - 104 ص.

[9] عبدالمجيد الشرفي: الإسلام والحداثة - مرجع سابق - ص (179).

مُبهِرة غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
رسالة لكل زوار منتديات العبير

عزيزي الزائر أتمنى انك استفدت من الموضوع و لكن من اجل منتدى ارقي و ارقي برجاء عدم نقل الموضوع و يمكنك التسجيل معنا و المشاركة معنا و النقاش في كافه المواضيع الجاده اذا رغبت في ذلك فانا لا ادعوك للتسجيل بل ادعوك للإبداع معنا . للتسجيل اضغظ هنا .

قديم 07-12-2023, 03:13 AM   #2


 رقم العضوية :  140678
 تاريخ التسجيل :  03-12-2023
 المشاركات :  93
 الجـنـس :  ذكر
 عدد النقاط :  10
 قوة التقييم :  إياد المانع is on a distinguished road
 اخر مواضيع » إياد المانع
 تفاصيل مشاركات » إياد المانع
 أوسمة و جوائز » إياد المانع
 معلومات الاتصال بـ إياد المانع

افتراضي رد


يعطيك العافية


شكرا

إياد المانع غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
قديم 07-03-2024, 11:04 AM   #3

الصورة الرمزية عبد الله الساهر

 رقم العضوية :  1
 تاريخ التسجيل :  22-07-2004
 المشاركات :  76,159
 الدولة :  ムレ3乃乇乇尺
 الجـنـس :  ذكر
 العمر :  42
 عدد النقاط :  251196
 قوة التقييم :  عبد الله الساهر تم تعطيل التقييم
 SMS :

حتى لو اجتهدت و قطعت فؤادك.. ووضعته للناس في طبق فضي ليرضوا عنك لن تفلح وربما لن تصل لمستوى يرضيك أنت عن نفسك فاجتهد ليكون الله وحده راضياً عنك وأغمض عينيك عن ما سواه

 اخر مواضيع » عبد الله الساهر
 تفاصيل مشاركات » عبد الله الساهر
 أوسمة و جوائز » عبد الله الساهر
 معلومات الاتصال بـ عبد الله الساهر

افتراضي رد: العبث بالذائقة الأدبية


يقويك ربي .. كفيت ووفيت

توقيع :





رحمك الله يا أنس
وجعل الفردوس دارك ومستقرك



عبد الله الساهر غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
قديم 15-03-2024, 03:21 AM   #4
مشرفة الأحتياجات الخاصة

الصورة الرمزية عزوف

 رقم العضوية :  57209
 تاريخ التسجيل :  17-11-2009
 المشاركات :  31,311
 الدولة :  طالبها بالحياة
 الجـنـس :  أنثى
 عدد النقاط :  68680
 قوة التقييم :  عزوف has much to be proud ofعزوف has much to be proud ofعزوف has much to be proud ofعزوف has much to be proud ofعزوف has much to be proud ofعزوف has much to be proud ofعزوف has much to be proud ofعزوف has much to be proud ofعزوف has much to be proud ofعزوف has much to be proud ofعزوف has much to be proud of
 SMS :

من الجيد اننا نكتب من خلف الشاشة ومن الجيد جدا انة لا احد يستطيع التاكد من كوننا نبكي ام لا

 اخر مواضيع » عزوف
 تفاصيل مشاركات » عزوف
 أوسمة و جوائز » عزوف
 معلومات الاتصال بـ عزوف

افتراضي رد: العبث بالذائقة الأدبية


مشكورهـ الله يعطيك العافية

توقيع :

آللهم ’
إن بين ضلوعي ( أُمْنـيَـة ) !
يتمنآهآ قلبي وروحي و عقلي . .
فلآ تحرمني من - فرحة - تحقيقهآ ،
فَ إنگ وحدگ من تقول :

گن ف يكوووووون

عزوف غير متواجد حالياً
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:22 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لـ : منتديات العبير
المحتوى المنشور فى موقع العبير لايعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة وإنما يعبر عن وجهة نظر كاتبها